الإمام العَادل
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا الله الا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد رسول الله. ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله ” ، وبدأ بالإمام العادل الذي ينفذ شريعة الله في عباد الله إن حكم يحكم بالشرع ، وإن عاقب يعاقب بمقتضى الشرع. فلابد أن يراعي فى الإلزام بالحق قرابة ، ولا صديقاً ، ولا عزيزاً، بل يكون حاكم بينه وبين الناس بالعدل. قال الله تعالى:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون” المائدة:8 – أي: يجب العدل مع الجميع سواء أكانوا أصدقاء أم أعداء ، المسلم مطالب بأن يعدل مع جميع الناس سواء أكانوا مسلمين أوغيرمسلمين. وهناك كثير من الآيات التي تتحدث عن عدل الله عز وجل وتنفى الظلم عنه سورة غافر:آية 31 “وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ” وقوله تعالى في سورة يونس:آية 44 “إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ”. أهم صفات الإمام العادل في الإسلام – الأمانة والكفاءة – وبهما استحق يوسف الصديق عليه السلام – الوزارة – قال: “اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ” يوسف آية 55 ، والحفيظ هو الذى يرعى جميع الأمانات ، والعليم هو الكفء القادرعلى تحمل المسئوليات ، فيتولى الإمام القيادة باختيارالأمة ورضاها ، فمن تولى عن طريق القوة وتحت ضغط السلاح والتهديد بالقتل ، أوالإبعاد أو السجن أو مصادرة الأموال ، أو تزوير إرادة الأمة …فليس إماماً عادلاً ولا والياً تجب طاعته. وعملاً بموقف وقول الخليفة الأول لرسول الله (ص) – أبي بكر الصديق – رضى الله عنه – في أول خطبة له عند توليه الخلافة:”أمَّا بَعدُ أيَّها النَّاس فإنِّي قد وُلّيتُ عَليكم ولسْتُ بخيرِكُم ..” فالأمة هي التي اختارته وولته بكامل إرادتها وحريتها ، ولم يول نفسه بالقوة ، أو الكيد والحيلة ، وهؤلاء الحكام أو النواب الذين يتولون المناصب رغماً عنا ، وبدون ترشيح الأمة لهم هم ظالمون معتدون أخذوا حقاً ليس لهم ، كم جاء في تفسير قوله تعالى.” لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ” البقرة:آية 124- أى أن عهد الله جل وعلا لن ينال الظالمين ، أي لا يصل إليهم ولا يكون لهم – الإمام العادل يرد الظلم عن المظلومين ، ويُعيِن المقهورين. وعندما وقف الخليفة الأول أبو بكر أمام من أختاروه قال:”الضعيف فيكم قوي حتى آخذ الحق له ، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه” – من أقوي علامات العدل أن يكون الكل أمام القانون والقضاء سواء فلا تُعطى حصانة لأحد مهما علت رتبته – روى الإمام أحمد بسنده عن أبى هريرة قال رسول الله (ص): “إذا ذكر عمر بن الخطاب ذكر العدل ، وإذا ذكر العدل ذكر عمر”. ثم قال رسول الله (ص) :”إن الله جَعلَ الحقَّ على لِسَان عُمَرَ وقلبهِ” والأمثلة كثيرة لعدالة عمر بن الخطاب رضى الله عنه – نذكر منها – توجه عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى أحد ولاته وهو يودعه قائلا: ماذا تفعل إن جاءك الناس بسارق ؟ قال: أقطع يده. فقال عمر: إذن إذا جاءنى منهم عاطل أو جائع قطعت يدك؟ ثم عقب قائلا: “يا هذا أن الله خلق هذه الأيدي لتعمل فإن لم تجد في الطاعة عملا التمست في المعصية أعمالا” – وقد كان النبى حريصاً منذ أقام دولته أن يرسخ معنى العادله بين قومه ، وسوف يظل المصطفى (صلى الله عليه وسلم ) خير قدوة نقتدي بها في حياتنا الدنيا ، لأنه كان روحاً للحياة ونوراً للأحياء ، فانقادت له نفوس أصحابه ،واستقاموا على سنته، وحملوا هدى الله إلى أطراف الأرض ، فأشرقت بنور ربها ، ودخل الناس في دين الله أفواجا- لقد ربى الإسلام أتباعه على العدالة ، وكان الرسول (ص) هو الأسوة الحسنة في تطبيق العدل بينهم ، جاء في الحديث الشريف عن عائشة – رضى الله عنها: “أن قريشا أهمهم أمر المرأة المخزومية التي سرقت على عهد رسول الله (ص) ، فقالوا: من يكلم فيها ؟ ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، فكلمه أسامة ، فقال الرسول (ص): أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فخطب ، فقال:”أيها الناس: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد ، وأيم الله لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها” رواه البخاري ومسلم. بهذا المنطق السليم وبهذه الحجة البالغة يعالج الرسول (ص) قضية المرأة المخزومية في إطار العدالة التي شرعها الله لتستقيم حياة المجتمع ويتحقق له التوازن ويشيع فيه العدل والإنصاف. والمسلم الحق بحاجة إلى أن يترسم خاطا رسوله (ص) على هدى وبصيرة ، لا يضل ولا يزيغ عن طريق الحق والعدل ، ليعيش امناً مستقراً عالي الهمة ، لايحني رأسه إلا لخالقه. يقول رسول الله (ص) : “المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نورعن يمين الرحمن عز وجل – وكلتا يديه يمين – الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا” رواه مسلم والنسائي – وما أجمل ما قاله ابن تيمية : إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة…. وأخيراً نسأل الله أن يرزقنا الإمام العادل الذى يقودنا بكتاب الله إلى خيري الدنيا والاخرة ، اللهم أصلح أحوال المسلمين وارزقنا قلوباً خاشعة وأعيناً دامعة وألسنتاً ذاكرة ، اللهم أحسن خاتمتنا وأعنا على طاعتك ، فنسأل الله عز وجل بأن يتقبلنا جميعا في فسيح جناته ، اللهم أدْخلنا الفردْوس الأعْلى بغير حساب ولا سابقة عذاب ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ- اللهم آمين- وإلى اللقاء
إعداد أم تامر المصرى