[تقرير] الثلاثي جبران يخوض ’’مسيرة طويلة‘‘ حتى بلوغ ’’حافة الساحل اللاَزَوَرْديِّ‘‘
’’المسيرة الطويلة‘‘ عنوان الألبوم الأخير للثلاثي جبران وعنوان المسيرة التي قادته إلى كندا.
’’الفنانون من فلسطين‘‘، كما يرغبون بأن يُطلق عليهم، يحيون يوم الجمعة 15 تموز / يوليو حفلاً على مسرح الأولمبيا (نافذة جديدة)في وسط مونتريال، وفي اليوم التالي تصل بهم ’’المسيرة الطويلة‘‘ إلى مدينة تورونتو في مقاطعة أونتاريو ويقدمون حفلهم على مسرح Massey Hall (نافذة جديدة) في وسط المدينة. تنظم الحفلتين مؤسسة ’’مرسم كندا‘‘ (MARSM Canada) (نافذة جديدة) للإنتاج الفني، التابعة للمؤسسة الأم ’’مرسم إنكلترا‘‘ التي تأسست في المملكة المتحدة عام 2015 للترويج للموسيقى والفنون العربية وصناعها. ويشدد ناجي رزق، وهو أحد مؤسسي مرسم كندا، على ’’أهمية منح الفنانين العرب منصة لأداء أعمالهم وإظهارها في مكان متعطش لفنهم‘‘.
محمود درويش: الإبداع خلطة تتألف من الوحي والموهبة والاجتهاد
تجدر الإشارة إلى أن الثلاثي جبران اعتاد على اعتلاء المسارح الكندية منذ نحو عقدين، وشهد الجمهور الكندي ولادة الثلاثي جبران، بعد أن كان تعرّف على الثنائي جبران. وقد صاغ الإخوة الثلاثة حكاية عشق مستمر بينهم وبين عشاقهم الكنديين المتحدرين من أصول عربية.
كل واحد من الإخوة جبران لديه الموهبة والاجتهاد والوحي، أما عن هذا الأخير فهو منزلٌ علينا بحكم أننا فلسطينيون[…] للأسف إننا لا نستخدم القضية الفلسطينية كوحي، لأنها بحد ذاتها قصتنا ولا يمكن نكرانها. لذلك تجدين الطفل الفلسطيني حتى ابن الـ 6 سنوات شاعرا وفيلسوفا بالفطرة ويملك الجرأة والروح النضالية الشامخة.
بعد كل عرض، يترك الإخوة جبران جمهورهم الكندي متعطشاً للمزيد من إبداعهم الموسيقي ورقيهم النغمي وتقاسيم أناملهم على آلة عود تدّب فيها الحياة وتتقمص أرواحهم. ولعل أكثر ما يلفت عند هذه الفرقة غير المسبوقة في تاريخ الموسيقى الشرقية، هو الارتجال على المسرح، أو لنقل إن هذا ما يشعر به الحضور في حفلاتهم. وكأن الكل هو واحد والواحد هو الكل. لم نعلم يوما من هو عصب هذا الفريق ومن هو قائده، بل تتجلى لمسامعنا السهولة القصوى و الانسياب السلس والاندماج المطلق والانسجام اللامتناهي بين أعضاء الفرقة السبّاقة في تاريخ الموسيقى الشرقية التي تضم ثلاثة عازفي عود متساويين في إبداعهم وحسهم الموسيقي. هؤلاء ولدهم ’’الوحي الفلسطيني‘‘، وهكذا لم يكونوا بحاجة إلا إلى ’’الموهبة والاجتهاد‘‘، لأن بحسب راعي درب الثلاثي جبران على مدى 13 عاما ورفيق نضالهم الفكري والثقافي والوطني الشاعر الراحل محمود درويش، ’’الإبداع هو خلطة ما بين الموهبة والاجتهاد والوحي‘‘.
والدنا واحد وأمنا واحدة، ترعرعنا في كنف البيت ذاته. تلّقنا أصولا واحدة في التربية، نحب الطعام ذاته ونعّد في مطبخنا المأكولات ذاتها[…] هناك تواصل وثيق بيننا كإخوة والاحترام لدينا متجذر ومتأصل في ثقافتنا العربية الفلسطينية، احترام يبدأ من الكبير للصغير وبالعكس. لنا رؤية معينة نسير في خطاها، ونعرف تماما أهدافنا[…] المسؤولية الكبرى التي كرّسنا فننا لها تبعدنا عن كل كبرياء شخصي.
بالإضافة إلى التلحين والعزف، يتولى الشقيق الأوسط وسام صناعة آلات العود، حرفة ورثها عن والده وطوّرها بالدراسة في إيطاليا.
’’المسيرة الطويلة‘‘ تعيد على آلة العود تلاوة خطبة ’’الهندي الأحمر ما قبل الأخيرة أمام الرجل الأبيض‘‘
يعود تاريخ صدور آخر ألبومات الثلاثي جبران (نافذة جديدة)، السادس في مسيرتهم الفنية، إلى نهاية العام 2018. ’’المسيرة الطويلة‘‘ شكل تحية لمحمود درويش في ذكرى رحيله العاشرة. ذاك الذي كتب عن ’’حضرة الغياب‘‘ كان أشد حضورا بعد موته في مسيرة الثلاثي من فلسطين، وأتت قصائده ونصوصه في أساس تسمية الألبوم وأغنياته. كل العناوين اختيرت من كلمات كتبها درويش وشكلت قصائده صلة الوصل بين كلّ مقاطع الألبوم. أما القصيدة التي شكلت محور الالبوم وروحه فهي تلك التي تضمنها ديوان محمود درويش بعنوان ’’أحد عشر كوكبا‘‘ الذي صدر عام 1992 وعنوانها ’’خطبة الهندي الأحمر ما قبل الأخيرة أمام الرجل الأبيض‘‘.
يحاول الثلاثي جبران في إنتاجهما الأخير ولوج عتبة العالمية بموسيقاهم ونزع الطابع التقليدي الكلاسيكي عن آلة العود وجعلها ترتدي أيضا حلّة العصر التقني الرقمي.
لم يخش ثلاثي العود المجازفة والمغامرة ليثبتوا مرّة أخرى أنهم قادرون على التميّز والإبداع.
يتضمن الألبوم أغنية طرب تقليدي على مقام ’’بيات أصفهان‘‘ بصوت المطرب الإيرانيّ الشاب محمد مُعتَمِدي، (The long march) عنوان هذه الأغنية من كلمات للشاعر الإيراني الذي اشتهر بالقصائد الصوفية خواجو الكرماني.
أغنية اخرى في الألبوم صورت في فيديو كليب، كتب كلماتها ويؤديها الفنان البريطاني، الشريك المؤسس لفرقة بينك فلويد لموسيقى الروك، روجر ووترز.
’’Carry the Earth‘‘ كتبها ووترز تحية لذكرى4 أطفال فلسطينيين من عائلة بكر، ذهبوا لشاطئ غزة للعب فقتلوا بغارة إسرائيلية على مينائها في العام 2014.
وقد عرف عن روجر ووترز مواقفه المناصرة للقضية الفلسطينية والمعارضة للسياسات الإسرائيلية. سبق لهذا الفنان والناشط السياسي البريطاني أن سجّل برفقة الثلاثي جبران فيديو كليب عام 2017 في باريس ولندن، حمل عنوان ’’تعالي السيادة‘‘، وأتى هذا العمل اعتراضا على خطاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وإعلانه القدس عاصمةً لإسرائيل.
وقد ظهر في الكليب الشريك المؤسس لفريق ’’Pink Floyd‘‘ برأسٍ كأنه يتدلى من العتمة، قارئا قصيدة ’’خطبة الهندي الأحمر، ما قبل الأخيرة، أمام الرجل الأبيض‘‘، مترجمة إلى الإنكليزية، وعلى ألحان من الثلاثي جبران. أتى طرح الكليب متزامنًا مع مرور 70 عاما على النكبة الفلسطينية. يقول الفنانون من فلسطين: ’’إن الكليب تكريم لنضال الشعوب الأصلية في سائر أنحاء العالم، وأنه من خلال فننا نؤكد أن العلاقة بين الناس والثقافة ووطنهم ستبقى إلى الأبد.
(في رابط يوتيوب نشاهد الثلاثي جبران خلال حفلة يوم 13 آذار / مارس الماضي في رام الله لمناسبة يوم الثقافة الفلسطينية، وكانت المرة الأولى التي يلتقي فيها الفريق جمهوره في فلسطين بعد الجائحة.)
عدنان جبران آخر العنقود…سكر معقود
عندما قلت لعدنان، أصغر الأشقاء جبران وآخر من انضم إلى الفريق، ما يقوله المثل العربي عن ’’آخر العنقود‘‘ في كرم العنب بأنه لكثرة حلاوته يطلق عليه ’’سكر معقود‘‘، تفاجىء وفرح كثيرا لأنه إلى اليوم لم يكن قد سمع بأن هناك إيجابية في ’’آخر العنقود‘‘، معتقدا أن هذا اللقب يحمل المهانة لصاحبه فحسب.
رغب الشقيق الأصغر التغريد في غير سرب ’’الثلاثي‘‘ لا لشيء سوى ليثبت لذاته أولا أنه جدير بالوقوف جنبا إلى جنب على المسرح مع أخويه ومستحق للانتماء إلى الفريق الذي شكل علامة فارقة في تاريخ آلة العود في العالم، وكوّن اسماً لامعاً ذاع صيته في أرجاء الكون.
’’تجرأ‘‘عدنان جبران وأطلق ألبوما افراديا باكورة في العام 2014 بعنوان ’’وراء الحدود‘‘ متحدياً ذاته في الدرجة الأولى لأنه ’’لو لم يخض الفنان التجارب وتحدي الذات فالأفضل له أن يتنحى‘‘.
على عتبة اجتياز حدود بلد ما، نقرأ انتبه هناك حدود أمامك! هذه الحدود أكانت سياسية، جغرافية، ثقافية أو اجتماعية عائلية، شكلت لي دوما رهبة وخوفا. كان يسكنني هاجس وحيد وهو كيف أثبت وجودي في ظل وجود كل هذه الحدود، كيف لهذا الثلث أن يكون جديرا بتمثيل مكانته وحصته في الثلاثي المبدع[…] إلى أن حان الوقت لتكون الحدود ورائي وأتخطاها.
يؤكد وسام أنه مع الشقيق الأكبر سمير، باركا المسيرة المنفردة لعدنان خصوصا أنها لن تؤثر على المسيرة الثلاثية لأن عدنان لا زال منضما إليها. وكل إضافة في تجربة عدنان ستكون إضافة ايضا في مسيرة الثلاثي جبران ومكملة لها.
هدفنا واحد وهو بناء هوية المشروع الفني الكبير،الثلاثي جبران. باليدين نصفق وليس بيد واحدة، فكم بالحري إذا كانت لنا ثلاثة أيادي؟ لكل واحد منا موهبته المختلفة، ومعا تكتمل السبحة.
الجائحة أسكتت العود…
في بداية الجائحة ومع بدء الحجر في لندن حيث يعيش عدنان مع عائلته، شعر الفنان من فلسطين لأول مرة بالغربة، جغرافيا لأنه لم يستطع الذهاب إلى فلسطين ومعنويا لأنه لم يستطع التواصل مع جمهوره. هذا التواصل الذي يشكل له النبض الذي به يعيش، ’’لأن تفاعل الجمهور مع موسيقانا يشكل عاملا أساسيا في إبداعنا و تأليفنا الموسيقي‘‘.
معزوفة ’’مطارد‘‘ ألفها عدنان بعد نحو أسبوعين من بداية الجائحة، ’’كنت أشعر بالخوف من شبح يطاردني، الغد مجهول والحاضر غير واضح المعالم. كأن كل شيء توقف عن الدوران فجأة، ومنذ ذلك الوقت لم أعد أمسك بالعود‘‘، قال عدنان جبران.
أما وسام الذي يعيش في باريس، فقد شكلت له الجائحة فرصة للتفكير وأتاحت له مزيدا من الحرية. في رأيه أن الحرية شعور يجتاحك عندما تكون في سلام والسلام يوفره الهدوء والسكون التام.
الصمت مهم جدا وهذا ما اكتسبته خلال الجائحة، لقد توجهت إلى الصمت أكثر من الموسيقى. إنني مسرور جدا بعيش تلك الفترة من الصمت والتفكير بعيدا عن الموسيقى تماما.
(قابلت وسام وعدنان جبران عبر تطبيق زووم وأعدت هذا التقرير كوليت ضرغام منصف)