قصة القردة الخاسئين
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي لة ، وأشهد أن لا الله الا الله وحده لا شريك له ، وأشهد محمد رسول الله. لما أراد اليهود يوماً للراحة أعطاهم الله يوم السبت ، وأراد الحق تبارك وتعالى أن يبتليهم في هذا اليوم والابتلاء هو امتحانهم ، فقد كانوا يعيشون على البحر وعملهم كان صيد السمك ، وكان الابتلاء في هذا اليوم حيث حرم الله عليهم فيه العمل وجعل الحيتان التي يصطادونها تأتي إليهم ، وكانوا يبحثون عنها طوال الأسبوع وربما لا يجدونها .. وفى يوم السبت جاءتهم ظاهرة على سطح الماء تسعى إليهم لتفتنهم. إقرأ قوله سبحانه وتعالى في سورة الأعراف آية 163″ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ” وهكذا يمتلىء سطح البحر بالأسماك والحيتان يوم السبت ، فإذا جاء صباح الأحد اختفت بعيدا وهم يريدون أن يجعلوا السبت عيدا لهم لا يفعلون فيه أي شىء ..ولكن في الوقت نفسه يريدون أن يحصلوا على الأسماك والحيتان .. صنعوا أحواض عميقة ليحتالوا بها على أمر الله بعدم العمل فى هذا اليوم وفي الوقت نفسه يحصلون على الأسماك .. هذه الأحواض يدخلها السمك بسهولة ولأنها عميقة لا يستطيع الخروج منه ويتركونه أمر الله. يبيت الليل وفى الصباح يصطادونه. وكان هذا تحايلا منهم على الله سبحانه وتعالى ، والله لا يحب من يحتال في شيء من أوامر. ويقول الله تعالى في سورة البقرة آية 65: ” وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ” أنهم اعتدوا على أمر الله بالراحة يوم السبت ، وقوله تعالى “اعْتَدَوْا” أى تجاوزوا حدود الله المرسومة لهم .. وعادة حين يحرم الله شيئاً يأتى بعد التحريم قوله تعالى من الآية 187 في سورة البقرة “تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا” ولكن بنى إسرائيل اعتدوا على حكم الله متظاهرين بالطاعة وهم عاصون ، وحسبوا أنهم يستطيعون خداع الله بأنهم طائعون مع أنهم عاصون وصدر حكم الله عليهم “فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ” قبل صدور الأمر وقبل أن ينتبهوا أو يعلموا شيئاً كانوا قردة. ولقد اختلف العلماء كيف تحول هؤلاء اليهود إلى قردة ؟ كيف مسخوا؟ قال بعضهم لقد تم المسخ وهم لا يريدون .. فلما وجدوا أنفسهم قد تحولوا إلى خلق أقل من الإنسان .. لم يأكلوا ولم يشربوا حتى ماتوا. وقال بعض أن الإنسان إذا مسخ فأنه لا يتناسل ولذلك فبمجرد مسخهم لم يتناسلوا حتى انقرضوا .. ولماذا لم يتناسلوا؟ لأن الله سبحانه وتعالى يقول في سورة الأنعام من الآية 164:”وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى”ولو أنهم تناسلوا لتحمل الأبناء وزر آبائهم ، وهذا مرفوض عند الله. قد يقول بعض الناس لو أنهم مسخوا قردة .. فمن أين جاء اليهود الموجودون الآن ؟ لم يكن كل اليهود عاصين .. ولكن كان منهم أقلية وهي التي عصت ومسخت ، قال الله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة آية 60 ” قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ” فهم قوم غضب الله عليهم ومسخهم قردة وخنازير وعبدة الطاغوت (الطاغوت هم الطائعون للشيطان الداعي إلى عبادة غير الله). فلننظر إلى البهيمية التى نقلهم الله إليها .. نجد أن القردة هي الحيوان الوحيد المفضوح العورة دائما .. وإن عورته لها لون مميز عن جسده .. وأنه لا يتأدب إلا بالعصا. الله سبحانه وتعالى أعطانا في الآية التي ذكرناها في سورة المائدة سمات اليهود الأخلاقية .. فكأنهم مسخوا خلقه ومسخوا أخلاقاً. لقد نجح المسلمون عندما ابتلاهم الله عن الصيد فى الحرم وهم محرمون ، قال تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ”{سورة المائدة آية 94}. ولم ينجح أصحاب السبت عندما ابتلاهم الله بصيد الأسماك ، فرسبوا في الاختبار. عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أنَّ اللهَ سُبحانه وتعالى أضلَّ عَنِ الجُمُعةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا ، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الأَحَدِ ، فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالأَحَدَ ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ، وَالأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلائِقِ ) رواه مسلم. أن المفهوم من قصة أصحاب السبت التحايل على أوامر الله -عزوجل- فبعدما حرم الله عليهم الصيد يوم السبت ، احتالوا على هذا الأمر الرباني. والمتأمل لأوضاع المسلمين في زماننا هذا ، يجد التحايل على أوامر الله -عزوجل- في كثير من المسائل أليس هناك تحايل بشتى الأشكال من كثير من الموظفين يأخذ الرشوة بطرق لا تكاد تخطر على بال أحد ، أليس هناك تحايل على الأنظمة في مسائل البيع والشراء وعقد الصفقات بشتى الطرق والوسائل ، حتى وصل الأمر إلى أن بعض الناس يحاول تلمس الحيل حتى فى العبادات ، يحاول أن يجد مخرجاً من هنا أو عذراً من هناك. أن من سلك أحد هذه المسالك ، فليعلم أنه قد أخذ بخصلة من خصال اليهود وإلا كيف يتحايل على أوامر الله ، كيف يفكر بالحيلة مع الله راغباً فى نعيم الله ، إن قلب المؤمن يستقيم على صراط الله ، ويلتزم بأوامر الله ، ويبقى على هذه الحالة في ليله ونهاره. أنه لا يعرف التحايل ولا يفكر فى الحيل إلا القلب البعيد عن الله ، إن القلب عندما يفسق عن منهج الله ويلتوي عن صراط الله ، يتعامل مع الأوامر الربانية بتحايل ، فماذا سيكون مصيره ؟ {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ } سورة آل عمران : آية 8. اللهم إن أردت فتنة بعبادك فاقبضنا إليك غير مفتونين ، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين ، فنسأل الله عز وجل بأن يتقبلنا جميعا في فسيح جناته ، اللهم أدْخلنا الفردْوس الأعْلى بغير حساب ولا سابقة عذاب ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ – اللهم آمين – وإلى اللقاء
إعداد أم تامر المصرى