نقطة ضوء

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين

بقلم/ أم تامر المصري – كاتبة كندية مصرية

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا الله الا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد رسول الله. الرسول الأكرم وسيد الرسل وخاتمهم واشرف الخلق اجمعين هو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف وينتهي نسبه الشريف الى النبي ابراهيم (عليه السلام). ولد النبي (ص) يوم الإثنين 12 من شهر ربيع الأول عام الفيل بمكة ، وقد مات أبوه وهو في بطن أمه، وتوفيت أمه وعمره ست سنين فكفله جده عبدالمطلب ولما بلغ عمره ثمان سنين توفى جده فكفله عمه أبوطالب وأحسن كفالته ، ولما بلغ الأربعين سنة من عمره نزل عليه الوحي بالنبوة وكان في غار حراء، وأول آية نزلت عليه: (إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق). فأخبر خديجة فصدقت به، وأخذ في نشر دعوته سرا، ثم أعلنها فأسلم جماعة من العرب فعذبتهم قريش وهاجر إلى المدينة بعد أن أسلم جماعة من أهلها.

إمتاز النبي محمد (ص) بالأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة وقد مدحه الله بقوله تعالى ” وإنك لعلى خلق عظيم”. جاء النبي محمد(ص) بالمساواة بين جمع الخلق. قال الله تعالى فى سوره الحج :75 ” اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ “. بالنبوة والرسالة اصطفاء من الله تعالى حسب حكمته سبحانه وعلمه بمن يصلح لها. والحديث عن محمد (ص) حديث ممتع شيّق لا تمل النفوس المؤمنة من سماعه وتنجذب له الأرواح. قال تعالى “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” الأنبياء:107. فالشريعة كلها مبنيّة على الرحمة في أصولها وفروعها ، ومحمد (ص) أرحم الناس بالناس بل تعدت رحمته الناس إلى الحيوانات. إن المتأمل في الآية السابقة يلحظ أن الله تعالى وصف رسوله (ص) بأنه رحمة للعالمين فلم يقل : رحمة للمؤمنين ، مما يدل على أن إرساله رحمة ٌلغير المسلمين أيضا. إن رحمة رسول الله (ص) قد تجاوزت حدود البشر حتى وصلت إلى الحيوانات سابقة قبل قرون طويلة ما يسمى بجمعيات الرفق بالحيوان ، بل إن رحمته بالحيوان كانت عند الذبح ، فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قال رسول الله(ص):” إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ” رواه مسلم . إنها رحمة ما عرف التاريخ مثلها أبدا .

إن من صور الرحمة في شريعة محمد (ص) رحمة المجتمع بأكمله وذلك بتوفير الأمن والطمأنينة في أرجائه. أرسل الله تبارك وتعالى محمداً رحمة للعالمين يصفه ربه فيقول فى سورة آل عمران 159: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ). فالرحمة صفة لازمة له ، فهي عنوانه ، وهي سمته التي يعرف بها، فقلوب الناس تهواه وتغشاه وتحبه لأنه رحمة ، بعث بالرحمة والعطف والحنان ، بعث بالرفق واللين فما أرحمه من نبي ، فهذه سيرته العطرة مليئة بالمشاهد الدالة على رحمته – كان يسير يوماً من الأيام خارج مكة فإذا به يجد عجوزاً تحمل الحطب على رأسها قد أنهكها التعب ، وشق عليها بعد الطريق ، وآلامها حرارة الشمس ، فلما رأى فقال: يا خالة أآخذ معك الحطب إلى البيت ففرحت وسرت ، فأعطته (ص) الحطب فحمله عنها حتى أوصله إلى بيتها. أليست هذه هي الرحمة ، أهناك أحد وصلت به رحمته إلى هذا المستوى. وكانت نبوته رحمة ، فإن كانت نبوة كل نبي رحمة ، فنبوته رحمة للعالمين. إنه في ذاته رحمة ، وفي رسالته رحمة ، ولكل العالمين ، والعالمون تشمل الإنس والجن ، وكل الكائنات الحية. يتقررمن هذا أن الرحمة بقدر ما هي أصل التشريع الإسلامي ،  فإنها في الوقت نفسه لب الأخلاق ، ومحورها الرئيسي الذي تنتهي إليه. والرحمة هنا بمعنى البرأي المبادرة لفعل الخير.

يقول تعالى سورة التوبه 128  :(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ). إن هذه الرحمة بحاجة لتنزيل في حياتنا اليومية ، في صورة شفقة ، ورفق وبر، الشفقة بحيث تكون لدينا العاطفة الكافية للعطاء بلا كلل، والرفق ، فلا يكون في العطاء مَنّ ولا أذى ، ولا كبر، ولا شدة ولا غلظة ، والبر مبادرة بفعل الخير وتعجيل به وعمله بغير انتظار نتيجة من الآخرين…فهكذا كان ،وهكذا فلنكن.. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي (ص): ما من دعاء أحب على الله من أن يقول العبد : اللهم ارحم أمة محمد رحمة عامة . اللهم أصلح أحوال المسلمين وارزقنا قلوباً خاشعة وأعيناً دامعة وألسنتاً ذاكرة ، اللهم أحسن خاتمتنا وأعنا على طاعتك ، فنسأل الله عز وجل بأن يتقبلنا جميعا في فسيح جناته ، اللهم أدْخلنا الفردْوس الأعْلى بغير حساب ولا سابقة عذاب ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ- اللهم آمين- وإلى اللقاء  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى