حرب أوكرانيا.. والخيارات الصعبة
بقلم: رئيس التحرير
أطلقت روسيا عملية عسكرية في أوكرانيا، البلد الذي يبلغ عدد سكانه 44 مليون نسمة وتضاهي مساحتها مساحة فرنسا، لكن الحرب لا تسير على ما يرام، بل بدأ البعض يصفها بالكارثة.. فما الذي ستفعله موسكو؟ هل ستزيد من حجم الالتزام العسكري إزاء القتال في أوكرانيا؟ وهل ستهدد بتوسيع القتال وتهاجم بلداناً أوروبيةً أخرى؟ وهل ستستخدم أسلحةً تكتيكيةً لتُظهر تصميمها على الفوز مهما كلف الأمر؟
عند بحث هذه الخيارات ستضطر روسيا لمواجهة حقيقة أن جيشها يبلي بلاءً دون المأمول حتى الآن. وما زالت روسيا غير قادرة على تحقيق التفوق الجوي الساحق في أوكرانيا، مما سمح للأخيرة بتحريك قواتها عبر البلاد وتسلم وتوزيع آلاف الصواريخ المضادة للدبابات والمضادة للطائرات التي توفرها البلدان الغربية عبر بولندا.
والمفاجئ بالقدر نفسه للروس هو ضعف مهارات الجنود القتالية، والعديد منهم مجندون يقولون إنه لم يتم إطلاعهم على تفاصيل الحرب، وعلى ما يفترض أن تكون أدوارهم المحددة فيها. ولأن روسيا عجزت عن إغلاق أنظمة الاتصالات الأوكرانية، استطاع كل من الأوكرانيين والروس استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنقل رسائل إلى الصحافيين والجمهور. وقد تمكن بعض الجنود الروس من التحدث مع أُسرهم حول الظروف في ساحات المعركة. وبالنظر إلى الأداء العسكري لروسيا حتى الآن، يتوقع محللون ألا يكون الجنود الروس قادرين على احتلال مدن كبيرة، مثل كييف، دون التعرض لخسائر مكلفة على أيدي المقاتلين الأوكرانيين الذين يعرفون التضاريس أكثر منهم ولا تزال بحوزتهم إمدادات معتبرة من الأسلحة والذخائرة.
إحباطات الجانب الروسي قد تكون نتيجةَ ضعف المعلومات حول حالة الحرب، إذ من غير المعروف ما إن كان يتم إطلاع القيادة الروسية بشكل كامل على مستوى أداء العسكريين في الميدان. وفضلاً عن ذلك، فإن وسائل الإعلام الروسية مُنعت من عرض مقاطع فيديو لخسائر الجيش وقواته الجوية.
وفي الأثناء، من المرجح أن ترد روسيا على التقدم البطيء لقواتها بشن مزيد من الهجمات في العمق الأوكراني، مما سيتسبب في الكثير من الإصابات بين المدنيين. لكن من غير المحتمل أن تكون قادرة على فرض السيطرة على المدن وتنصيب مسؤولين تابعين لها.
وفي الحالات القصوى، قد تجد روسيا إغراءً في استخدام سلاح تكتيكي لتُظهر للعالم أنها جادة في تصميمها على إخضاع أوكرانيا ووضعها تحت السيطرة والتحقق من أنها لن تسعى مجدداً لتوثيق علاقاتها مع الغرب. وقد تستخدم مثل هذا السلاح في انفجار تحت الماء في البحر الأسود أو في بحر الشمال أو بحر البلطيق، لتُظهر ما هي قادرة على فعله إن لم يستجب الغرب لطلباتها. والمخيف بالقدر نفسه هو تعرض مفاعلات محطات الطاقة النووية الأربع لأوكرانيا للتخريب (متعمداً أم غير متعمد)، إذ من شأنه أن يتسبب في تسرب إشعاعات قاتلة فوق البلاد والبلدان المجاورة لها.
وأياً تكن النتيجة الفورية لحرب أوكرانيا، فلا شك في أن تأثيرها سيكون عالمياً وممتداً على غرار تأثيرات هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة ووباء «كوفيد-19» الذي أصبح جائحة عالمية ابتداءً من ربيع 2020. وفي هذا الإطار، سيقوم كل بلد كبير بإعادة تقييم حالات الطوارئ العسكرية الخاصة به لردع أي أعمال عدائية مستقبلا من قبل زعماء دول أخرى. وسيرتفع الإنفاق العسكري في معظم البلدان، وخاصة في أوروبا، وذلك في وقت توجد فيه مواضيع أخرى مثل تغير المناخ، والحد من الفقر، وتوفير رعاية صحية أفضل.. على قائمة الأولويات بالنسبة للتمويلات الحكومية.
هذه الضغوط ستتزامن مع ارتفاع أسعار الطعام والطاقة، مما سيؤدي إلى زيادة التضخم وربما يتسبب في ركود عالمي. وهذا من شأنه أن يضر بالجميع، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين!
مدير البرامج الاستراتيجية بمركز ناشيونل إنترست -واشنطن