الروح في الإسلام
الروح في الإسلام
بقلم/ أم تامر المصري – كاتبة كندية مصرية
الحمد لله نحمدة ونستعينه ونستغفرة ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل لة ، ومن يضلل فلا هادى لة ، وأشهد أن لا الله ألا الله وحدة لا شريك لة ، وأشهد أنَّ محمد رسول الله. الروح من أعظم مخلوقات الله شرفها وكرمها غاية التشريف والتكريم فنسبها لذاته العلية في كتابه القرآن. قال تعالى سورة الحجر آية 29 :” فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين” ومن عظمة هذا التشريف لهذا المخلوق أن الله إختص بالعلم الكامل بالروح فلا يمكن لأي مخلوق كائن من كان أن يعلم كل العلم عن هذا المخلوق إلا ما أخبر الله. هو خالق الروح وهو أعلم بها وهي من أمر الله تعالى وحده فإنه لا سبيل لمعرفة أي شي عن الروح إلا من الله .(الروح) من الألفاظ التي خاض الناس في تعريفها وبيان طبيعتها ، والوقوف على حقيقتها ، وهي في النهاية من المعاني التي استأثرالله بعلمها ، ولم يجعل للإنسان سبيل إلى معرفتها.
“وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا”الإسراء :85 . الروح من الراحة لأن المؤمن يرتاح من الدنيا والاستراحة لأنه يستريح في الجنة ويتمتع بالنظر إلى وجه الله تعالى. قال تعالى :”فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ” سورة الواقعة 89. الروح بمعنى (الرحمة) ، ومنه قوله تعالى فى سورة يوسف 87 :” وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ” قال قتادة أي: من رحمة الله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والروح المدبرة البدن التي تفارقه بالموت هي الروح المنفوخة فيه ، وهي النفس التي تفارقه بالموت وهنا أذكر قوله تعالى في حق سيدنا آدم عليه السلام ” وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي”سورة الحجر آيه 29 ، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم:”إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الله إليه الملك ، فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد” رواه البخاري ومسلم). ثم إن الله عز وجل يقبض الأرواح عند النوم فيكون لها تعلقٌ بالأجساد من نوع يختلف عن حال اليقظة ، لأن الأرواح تتعلق بالجنين حينما يرسل الملك لينفخ الروح ، فإذا خرج إلى الدنيا وصار إنساناً يمشي أو يبكي ويبحث ويأكل الطعام صار لها تعلق آخر، فإذا نام صار لها تعلق آخر، فإذا مات صار لها تعلق آخر.. فإذا بعث صار لها تعلق آخر، وهكذا يتقلب الإنسان مع روحه في أطوارمختلفة ، قال تعالى:” لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ” الانشقاق:19 أي: حال بعد حال – قال تعالى فى سورة يوسف :53 (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي ) فالآية الكريمة تُشير بوضوح إلى أن الروح المتصلة بالبدن ، أي النفس ، هي التي تأمر الجسد بإرتكاب المعاصي وإقترافها.
وكذلك قوله تعالى سورة الشمس 10-7 :”وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ، َفأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا “. فهذه الآيات الكريمة تشير بوضوح بأن النفس هي التي تفجر فترتكب المعاصي والآثام وكذلك هي التي تتقي فتؤدي الطاعات والحسنات. الروح بمعنى (القرآن والوحي) ، ومنه قوله تعالى: ” وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا “سورة الشورى : 52 .قال ابن كثير: يعنى القرآن. الروح بمعنى (جبريل عليه السلام)، ومنه قوله تعالى: ” قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ” النحل:102. الروح بمعنى (النصر)، ومنه قوله تعالى: ” وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ” المجادله 22 ، قواهم بنصر منه على عدوهم في الدنيا ، وسمى نصره لهم روحاً ، لأن به يحيا أمرهم. ندرك أن معرفة حقيقة (الروح) ليس لأحد من سبيل إليها، بل هي مما اختص الله سبحانه بعلمها.
ولعل الحكمة من إخفاء علمها عن المخلوقات ، أن يتأمل الإنسان ويتحقق أن الروح التي جعل الله بها الحياة والراحة والقوة والقدرة والحس والحركة والفهم والفكر والسمع والبصر…هي من أمر الله ، وهو يباشرها ويعايشها مدة حياته وطول عمره ، ومع ذلك لا يصل علمه إلى شىء من كنه حقيقتها ودرك معرفتها ، فكيف يطمع في الوصول إلى حقيقة خالقها وبارئها. اللهم أرحمنا بالقرآن واجعله لنا إماما ونورا وهدى ورحمة ، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ، اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء احزاننا وذهاب همومنا وغمومنا اللهم اجعله شافعا لنا يوم القيامة ، اللهم أدْخلنا الفردوس الأعْلى بغير حساب ولا سابقة عذاب ، اللهم أصلح أحوال المسلمين وارزقنا قلوباً خاشعة وأعيناً دامعة وألسنتاً ذاكرة وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ- اللهم آمين – وإلى اللقاء