برايان مالروني في ذمة الله والتاريخ وإرثه ملموس في حياة الكنديين
توفي برايان مالروني، رئيس حكومة كندا الأسبق (1984 – 1993)، عن 85 عاماً تقريباً. إبنته كارولين، رئيسة مجلس الخزانة في حكومة مقاطعة أونتاريو، هي من أعلن الخبر على منصة ’’إكس‘‘ للتواصل في وقت متأخر من بعد ظهر أمس.
ومالروني ابن عائلة إيرلندية الأصل، وُلد في 20 آذار (مارس) 1939 في مدينة بيه كوموه في شرق مقاطعة كيبيك حيث كان والده يعمل فنّي كهرباء في مصنع للورق.
زاول برايان مالروني مهنة المحاماة ولمع فيها، بعد أن درس الحقوق في جامعة لافال في مدينة كيبيك.
انتُخب نائباً في مجلس العموم للمرة الأولى عام 1983، في دائرة ’’وسط نوفا‘‘ في مقاطعة نوفا سكوشا الأطلسية تحت راية حزب المحافظين التقدمي (Progressive Conservative Party of Canada / Parti progressiste-conservateur du Canada) الذي ظلّ في صفوفه طيلة حياته السياسية.
من العلاقات التجارية إلى الدبلوماسية، مروراً بالدفاع عن البيئة، لا يزال إرث برايان مالروني، رئيس الحكومة الثامن عشر للاتحادية الكندية منذ إبصارها النور عام 1867، ملموساً للغاية في كندا، حسب فاني أوليفييه، كبيرة مراسلي راديو كندا في العاصمة الفدرالية أوتاوا.
لا تزال بصمات مالروني واضحة للعيان في الاقتصاد الكندي. ففيما كانت رياح الحمائية التجارية تهب على كندا في الثمانينيات، وقف رئيس حكومة المحافظين متحدياً العاصفة، حاملاً مشروعه للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة.
وشكّل اتفاق التجارة الحرة الذي وقّعه مالروني مع إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان عام 1988 ودافع عنه بقوة في كندا حقبةً جديدة للاقتصاد. فحجم التبادل التجاري بين كندا والولايات المتحدة يتجاوز حالياً عتبة الـ1.000 مليار دولار سنوياً، وليس بالإمكان تصوّر مثل هذا الترابط بين الاقتصاديْن بدون ذاك الاتفاق.
وفي عام 2017، عندما طلب منه رئيس الحكومة الليبرالية جوستان ترودو تقديمَ المشورة بشأن إعادة التفاوض حول اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية (’’نافتا‘‘ ALÉNA / NAFTA) الذي كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يهدد بتمزيقه، تولّى رئيس حكومة المحافظين الأسبق المهمة بحماس.
وعلى الساحة الدبلوماسية، تمكن مالروني من وضع كندا على الجانب الصحيح من التاريخ من خلال معارضته الواضحة لنظام الفصل العنصري في دولة جنوب إفريقيا ودعوته النظام المذكور إلى إطلاق سراح زعيم المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC)، نيلسون مانديلا، الذي كان معتقَلاً منذ عام 1964.
ولم يؤثّر ثقلُ كندا الدبلوماسي المتواضع نسبياً على قناعات مالروني، حتى وإن اعترض لاعبون كبار، بدءاً بالمملكة المتحدة في عهد مارغريت تاتشر، طريقه.
وكان مالروني رائداً في المسائل البيئية، وقام بسلسلة مبادرات أتت ثمارها. فوقّع اتفاقية دولية لحماية طبقة الأوزون في عام 1987، ونظّم أول مؤتمر سياسي حول التغيرات المناخية في العام التالي، وأبرم اتفاقية بشأن المطر الحمضي مع الولايات المتحدة في عام 1991.
وكانت لمالروني إخفاقاته السياسية، فهو لم ينجح في تحقيق الهدف الأعظم الذي وضعه في حياته السياسية، وهو مُصالحة كيبيك، المقاطعة الوحيدة ذات الغالبية الناطقة بالفرنسية والتي لم توقّع لغاية اليوم على التعديلات الدستورية لعام 1982، مع سائر كندا.
وبذل مالروني جهوداً كبيرة لإقناع مقاطعات كندا العشر بالمصادقة على ’’اتفاق لاك ميش / ميتش ليك‘‘ الذي اقترحه عام 1987 والذي تضمّن زيادة اللامركزية في الاتحادية الكندية، لكنّ جهوده باءت بالفشل في نهاية المطاف عام 1990.
ثمّ قام بمحاولة ثانية مع ’’اتفاق شارلوت تاون‘‘ عام 1992، لكنّ الاتفاق سقط في استفتاء عام شمل كل كندا.
وسيقول مالروني لاحقاً إنّه عاش هذيْن الفشليْن كما لو أنّهما ’’موت أحد أفراد الأسرة‘‘.
وأمس، عقب إعلان خبر وفاة رئيس حكومة المحافظين الأسبق، توالت كلمات الإشادة به من مختلف الأطياف السياسية.
رئيس الحكومة الليبرالية جوستان ترودو أشاد، بتأثّر واضح، برئيس حكومة أسبق كان بمثابة مرشد قدّم له نصائح قيّمة.
كان رجلاً أحبّ وطنه بشدة وكرّس له نفسه. كان رجل دولة حقيقياً. لقد طبع ماضينا، لكنه لا يزال يطبع حاضرنا وسيطبعه لفترة طويلة مع مستقبلنا أيضاً. (…) كان يتمتع بنزعة إنسانية عميقة. كان تواصله مع الآخرين وإصغاؤه واهتمامه بما يحدث في بلادنا وما يحدث في حياة الأشخاص الذين كان يتواصل معهم، حقيقياً وعميقاً.‘‘
(نقلاً عن موقع راديو كندا ووكالة الصحافة الكندية، ترجمة وإعداد فادي الهاروني)