قبل الطبع

فرجٌ بعد كَرْبٍ لسانُ حال أصحاب مطاعم مونتريال

ستتوّقف أخيرا لعبة اليويو التي شهدها قطاع المطاعم في مونتريال بين إغلاق وإعادة فتح بسبب الجائحة. ففي نحو سنتين، أغلقت مطاعم مونتريال صالاتها أحد عشر شهراً.

تحوّل داخل المطاعم بسبب الفيروس التاجي إلى مقّسمات يفصل فيما بينها زجاج الـ”بلكسي غلاس” وتطغى أجواء المستشفى على أجواء الحفاوة الحقيقية بالجلسة والمأكل بسبب الزامية ارتداء القناع الواقي في الأماكن المغلقة، وينزع القناع فقط على المأدبة أثناء تناول الطعام.

الصورة: BEN NELMS/CBC

 

RCI

لعّل قطاع المطاعم في مدينة مونتريال كان من أكثر القطاعات التي تكّبدت الخسائر وتأثرت في شكل كبير بالجائحة.

اعتباراً من 14 آذار / مارس المقبل يُلغى العمل بجواز السفر اللقاحي في مقاطعة كيبيك ما يعني أنه لم يعد إلزامي أن يكون مرتاد المطعم قد أخذ جرعات اللقاحات المضادة للفيروس التاجي. الأمر الآخر البالغ الأهمية والذي أفرج كربة مطاعم مونتريال هو إعادة الفتح المطلق والشامل للصالات والتراسات من دون التقيّد بعدد محدد من الزبائن. علماً أنه كان يُخفض العدد إلى النصف من إجمالي سعة المطعم الكاملة في كل مرة يسمح فيها للمطاعم في مونتريال بإعادة استقبال زبائنها. وكانت أصدرت السلطات الصحية والحكومية في كيبيك القرار بإغلاق صالات المطاعم ثلاث مرات بين 24 آذار / مارس 2020 و31 كانون الأول / ديسمبر 2021، ليستقرّ اليويو أخيرا على إعادة فتح الصالات مع الاقتصار على 50% من سعة المطعم في 30 كانون الثاني / يناير الماضي.

وعلى الرغم من الانفراج الكبير وتنفس الصعداء أخيرا في أوساط هذا القطاع الذي عانى الأمّرين بسبب الوباء، إلا أن القلق لا زال يساور نفوس أصحاب المطاعم الذين خسروا الكثير إبان الجائحة وتزعزع إيمانهم بباب رزق أثبت هشاشته في وجه الأزمة الصحية العالمية.

المطرب الكندي اللبناني بيار نازا على مسرح مطعم ليالي بيروت في مدينة لافال شمال مونتريال ليلة 19 شباط/فبراير 2022. حضور خفر لمطعم يتسع لأكثر من 700 شخص ولكن الجمهور الذي كان يسهر في المكان أكد لمذياعنا على فرحته العارمة بعودة الحفلات الساهرة وقريبا عودة الرقص والغناء الكاريوكي إلى مطاعم مونتريال. قالت لي إحدى السيدات الساهرات في تلك الليلة:”كأن النجوم تشرق في عيون الناس الذين استعادوا فرحتهم وكيفهم وسهرهم”.

الصورة: COLETTE DARGHAM

ولعّل أبرز تحدٍ ينتظر مالكي المطاعم هو النقص في اليد العاملة، بعدما ضاق الموظفون ذرعا بلعبة اليويو المستمرة التي طالت باب رزق هش، فنزعوا عنهم مريول نادل المطعم مستبدلينه بمريول أكثر ضمانا وأمنا لمستقبلهم وعيشهم. أضف إلى ذلك أزمة التضخم التي تشهدها كندا وتأثيرها على ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية الأولية. يضرب أصحاب المطاعم من أصول عربية، التقاهم مذياعنا، بأن أسعار السلع الغذائية تضاعفت مرتين أو أكثر عن السعر الذي كانت عليه قبل الجائحة. فمثلا الزيت النباتي الذي كان سعره 21$، أصبحنا نشترية اليوم بـ 46$، وكذلك سعر المايونيز وغيرها من السلع التي تعد من الاستخدامات الاساسية في مطبخنا حسبما أكد المتحدثون.

لعّل قرار إقفال مطاعم مونتريال في اللحظة الأخيرة ليلة عيد رأس السنة، الذي اتخذته سلطات كيبيك كان القشة التي قسمت ظهر البعير ووقع هذا القرار كالصاعقة على عدد كبير من أصحاب المطاعم من أبناء الجالية العربية في مونتريال.

في شهر أيار / مايو 2020 وإبان الموجة الأولى من الجائحة، سرّح إجمالي 80% من المطاعم والفنادق عبر البلاد (نافذة جديدة) نصف الموظفين لديهم أو أكثر مما يمثل 000 800 وظيفة. في هذا الوقت، استغاث أصحاب المطاعم بالسلطات الحكومية المحلية والفيدرالية طالبين الدعم المالي لاجتياز الأزمة تحت طائلة إقدام 60% من المطاعم عبر البلاد على إقفال أبوابها بصورة نهائية.

نعى أصحاب المطاعم انخفاض عدد عملائهم والنفقات الإضافية التي تسببت بها الجائحة لتوفير التباعد الاجتماعي، خصوصا أنهم عمدوا إلى وضع العوازل المشغولة من الـ”بلسكي غلاس” بالإضافة إلى تفريغ أحد الموظفين لاستقبال الزبائن والطلب منهم بإظهار جواز السفراللقاحي وتعقيم اليدين في إطار الوقاية من الفيروس التاجي.

بين كل سؤال وجواب، يلتقط السيد مراد الفحل، صاحب مطعم L’ Evidence على شارع سان-دوني وسط مونتريال، أنفاسه وتعظم تنهيدته حين أسأله عما يخبأه الغد له.

لقد وقع عليّ القرار الأخير لحكومة كيبيك بإقفال مطعمنا ليلة رأس السنة وقوع الصاعقة، وكان أمامي أما الجنون وفقدان عقلي وإما الفرار إلى مكان ما، الهروب من حالة عصيّة وأفق أغلق أمامي تماما فلم أعد أقوى على النهوض.ذهبت إلى تونس، إلى مسقط رأسي سوس لأعيد ترميم نفسي على شواطئها وسط هوائها وزرقة سمائها ودفء شمسها.سلّمت مفاتيح المطعم للطبّاخ وقلت له: تصرّف بكل الأطعمة والمواد الغذائية التي اشتريناها والتي تقدر بأكثر من 000 25 دولار، لأن الحكومة أكدت لنا أن لا إغلاق مرتقب ولأن حجوزات المطعم نفذت كلها لثلاثة أيام وليالي على الأقل خلال فترة رأس السنة. علما أن هذه الفترة تشكل ذروة النشاط سنويا لمطعمنا، وتحّقق إيرادات عالية. هذا وكان على جدولنا حفلة غنائية لاستقبال السنة الجديدة وقد دفعت للمغني والفرقة مبلغا مرقوما سلفا، بالطبع لم يعيدوه لي، لا بل قالوا ممازحين “اذهب وحصّله من الحكومة”.نقلا عن مراد الفحل صاحب مطعم L’ Evidence

يقول صاحب مطعم L’Evidence مراد الفحل لمذياع القسم العربي لراديو كندا الدولي: “أطلقت اسم “الوضوح” على مطعمي تيمنا بالشمس الساطعة التي تدخل أشعتها كل يوم على ارجاء المطعم كلها وهي الشمس ذاتها التي كانت تشرق كل صباح على شواطئ سوس حاملة معها الدفء والأمان إلى قلبي. كل أمر في مطعمنا واضح أكان في طبق الأكل أو في كياسة ولباقة التعامل مع الزبائن.”

الصورة: COLETTE DARGHAM

شهد قطاع المطاعم في مدينة مونتريال (نافذة جديدة) وضعا غير مسبوق، فبعدما كان عدد المطاعم فيها يعرف ازديادا مطردا في العام 2019، تسببت الجائحة بإقفال عدد كبير من المطاعم أبوابها نهائيا. ففي المدينة الكوسموبوليتية، أقفل مطعم واحد من أصل 5 مطاعم أبوابه بشكل كامل بين شهري شباط / فبراير 2020 وكانون الثاني/ يناير 2022. وهذا يمثل 1239 مطعما في مونتريال وحدها.

(المصدر: جمعية مطاعم مونتريال.)

عودٌ عن بدء

في كل عودة ولمن استطاع أن يعود، من المطاعم التي أجبرت على التوقف عن تقديم وجبات الطعام في صالاتها خلال موجات الجائحة الخمس، كان يجب البداية من جديد من الصفر. خصوصا أن نسبة كبيرة من المطاعم سرّحت موظفيها أو عمد عدد كبير منهم إلى ترك هذا القطاع كليا ملتحقا بمهنة جديدة مختلفة كليا.

إنها معاناة السيد فحل الذي بالإضافة إلى الخسارة في الإيرادات التي تراجعت إلى أكثر من 40% بالمقارنة مع العام 2019، فإن غالبية الموظفين لم يعودوا إلى استئناف العمل بعد لعبة اليويو المتكررة التي مارستها السلطات الحكومية بسبب ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس التاجي وارتفاع حالات الاستشفاء في شكل خاص في المدينة المتروبول.

يثني المتحدث على المساعدة المالية العاجلة التي تلقاها من الحكومة الفيدرالية إن لجهة نفقات الإيجار أو لجهة الرواتب. ولكنه يأسف لسياسة المماطلة التي اعتمدتها حكومة كيبيك التي تعهدت بتعويضنا، ولكن البيروقراطية المفرطة في أروقتها قصّرت السبل إلى ذلك. أنا شخصيا لم استفد من المساعدات المالية التي قدمتها حكومة كيبيك، أكد لي محدثي مراد الفحل.

واكب رجل الأعمال الكندي التونسي صالح زهرة كل موجة جديدة لفيروس كورونا المستجد تقريبا بافتتاح فرع جديد لمطعمه “السندويش الفارسي” ، ففي ذروة الموجة الأولى في شباط / فبراير 2020 افتتح أول مطعم وفي ذروة الموجة الثانية في أيلول/ سبتمبر 2020 افتتح الفرع الثاني وفي خريف 2021 في ذروة أميكرون، يقول ضاحكا ، “افتتحت الفرع الثالث”. ولا يخفي محدثي طموحا باستكمال السبحة عبر مونتريال وكندا لمطعمه المزدهر.

الصورة: COLETTE DARGHAM

تغيير المسار

إذا كان ثقل الجائحة قد حمل مراد الفحل، في وقت معين، على تغيير مساره والالتحاق بتدريس مادة إدارة الأموال في معهد خاص في مونتريال براتب مغري، فإن صالح زهرة ذهب بالاتجاه المعاكس لينتقل مجددا إلى قطاع المطاعم من قطاع الـAirBNB، إذ قبل ذلك كان يملك مقهى في شمال مدينة مونتريال، معتمدا سياسة أهون الأمرّين.

ضرب جنون نعم، سمّه كذلك قال لي محدثي صاحب مطاعم La Baguette Farcie في مونتريال. ولكن المرّ يجبرك على الأمر منه.

كانت بداية متعثرة، يسرد ضيفي، قبل أن ينضج حلمي ويكبر . الفكرة كانت وليدة حلم قديم باقتناء مطعم يقدم أشهى سندويشة في بلده الأم تونس. ولكن سرعان ما وجد رجل الأعمال صالح زهرة الوصفة الناجحة لتسري شهرة مطعمه كالنار في الهشيم على موقع تيك توك الشهير. ولأن مطعمه لا يقدم سوى Take Out، فإن التجربة واكبت تماما مستلزمات الجائحة. ومطاعمه تتعامل مع ثلاث شركات تعنى بتوصيل طلبات الأكل عبر جزيرة مونتريال. علما أن السيد زهرة اشتكى من العمولة المرتفعة التي تطلبها شركة Uber Eats وتصل إلى 30% من إجمالي الفاتورة.

Début du widget Facebook Vidéo. Passer le widget ?

Fin du widget Facebook Vidéo. Retourner au début du widget ?

لم يتوقف هاتف المطعم عن القرع طيلة الوقت الذي أمضيته في صحبة السيد زهرة في عطلة الأسبوع المنصرم في فرع مطعمه الأساسي في مدينة سان-لوران الذي كبّره وباشر للتو العمل فيه في اليوم ذاته لزيارتي. وبالإضافة إلى الهاتف، تتلقى الفتاة الشابة على الاستقبال عبر المنصة الإلكترونية طلبيات أخرى. المكان يعّج بالزبائن الذين يأتون لأخذ طلبهم الجاهز وكذلك بالأشخاص الذين يوصلون الطلبات إلى المنازل.

وفي المطبخ الواسع النظيف الذي دُشن للتو لقدرة استيعاب أكبر ردا على الطلب المتزايد على سندويشات شهية طازجة، ينشط الطباخون، غالبيتهم من أصول عربية، في تحضير السندويش بأنواعها المختلفة لكافة الأذواق ويطهونها مباشرة في الفرن. هنا يجب التنويه بمهارة هؤلاء الشباب من حيث السرعة والاتقان الكامل لعملهم.

تشير الإحصائيات إلى أنه كان يوجد في مقاطعة كيبيك (نافذة جديدة) عام 2018: 737 20 مطعم يعمل فيه 000 230 موظف.

حافظنا على أسعارنا لكي لا نكون نحن والزمن على زبائننا

لم يعمد السيد مراد الفحل إلى اليوم إلى رفع أسعار قائمة الأكل في مطعمه ولكنه نظرا إلى “غلاء أسعار السلع والمواد الغذائية المستفحل” ولكي يحافظ على بقائه، يزمع صاحب المطعم الفرنسي في وسط مدينة مونتريال على رفع أسعاره بنسبة تتراوح بين 15% إلى 20% فقط كما أكد لمذياعنا.

الصورة: COLETTE DARGHAM

يؤكد صالح زهرة بأن شركة النقل أُوبر إيتس تساهم فعلا في عدم كساد منتجاتنا وأطعمتنا بحيث أنها توّفر لنا انتشارا لا نظير له. ولكن، يردف المتحدث، فإن العمولة الباهظة التي تتقاضاها هذه الشركة يجعل تحقيق الأرباح مستحيلا، لا بل أقول لك إننا نخسر. فنحن نعمل خبزنا ليومنا ولا نحقق الأهداف المرجوة من كل عمل وهي تحقيق الأرباح.

يتابع ضيفي معللاً اضطراره إلى إضافة دولارين فقط على سعر السندويش آملا في أن يروق الأمر لعملائه ويشاركوا معه في صراعه على البقاء، خصوصا وسط الارتفاع المذهل لكل أسعار المواد الغذائية. ويسهب محدثي في شرح مكونات السندويش الصحية مائة بالمائة والتي يعدها من المصدر بنفسه خصوصا اللحومات ليقدم مزيجا فريدا ومميزا لا ينافسه عليه أحد.

تجدر الإشارة إلى أن صالح زهرة وصل إلى مونتريال قادما من تونس العاصمة في العام 2009 بهدف التحصيل العملي بعدما كان يمتهن تعليم السباحة، ولكن حياة رجال الأعمال استهوته ليفتح بعد عامين مقهى بنكهة عربية في شمال مونتريال.

اسمحي لي أن أعرب عن أسفي عبر مذياعكم لعدم اكتراث حكومة كيبيك بالوضع القائم بيننا وبين Uber Eats، في الوقت الذي أجبرت فيه حكومات مقاطعات كندية أخرى هذه الشركة على تخفيض عمولتها لمساعدة قطاعة المطاعم المتأذي بشكل كبير من الجائحة.إننا نواجه عبء 30% عمولة في الوقت الذي لا يحقق فيه أي بطل سباق لمطاعم الـ تيك-آوت إلا 14% من الأرباح في حد أقصى، وحين تأخذ شركة أُوبر إيتس أو غيرها هذا القدر العالي من العمولة فماذا نجني نحن؟نعم إن لدينا أرقام مبيعات عالية وأنا أقرّ بذلك ولكن أسعارنا المنخفضة نسبيا وعمولات شركات توصيل الطلبات تجعلنا نتكبد الخسارة بدلا من تحقيق الربح.نقلا عن صالح زهرة صاحب مطاعم La Baguette Farcie بنكهة تونسية في مدينة مونتريال.

يثّمن صالح زهرة المساعدة المالية الفيدرالية المهمة التي تلقاها مباشرة عبر شيكات مصرفية نزلت في حسابه ، وصلت إليه بعد اسبوع واحد من ملىء الاستمارة الخاصة بذلك، وفي الوقت الذي كان يشهد فيه قطاع المطاعم سقوطا حرا. هذا في الوقت الذي لم يتسلم فيه أية مساعدة مالية من حكومة كيبيك.

الصورة: COLETTE DARGHAM

يؤكد صالح زهرة بأنه لم يسّرح أي موظف في مطعمه إلى اليوم لا بل على العكس، فهو يسعى إلى تطوير خدمات مطاعمه لتشتمل أيضا على توصيل الطلبات إلى البيوت والأفراد.

ومن طموح إنشاء سلسلة مطاعم عند صالح زهرة إلى طموح الحصول على رخصة لفتح تيراس في الصيف عند مراد فحل، يبرز عند هذين الضيفين تفاؤل كبير بغد أجمل سيزلّل كل إنكسار وخيبة وخوف وخسارة تسبب بها الوباء الذي غيّر إلى الأبد عادات الناس وطريقة عيشهم واستهلاكهم.

(إعداد كوليت ضرغام. مصادر: هيئة الإذاعة الكندية، تجمع مطاعم مونتريال.)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى