شادي بناني: ’’يكتمل بناء الهوية عندما يتلاشى الجزء ويحلُّ مكانه الكلُّ‘‘
أعلن ’’مجلس الفنون في مدينة مونتريال‘‘ في مقاطعة كيبيك عن منح الشاب شادي بناني الجائزة السينمائية ’’نظرة على مونتريال‘‘ (Regard sur Montréal) التي أنشئت عام 2014 بالتعاون مع ’’مؤسسة تنمية الأعمال الثقافية‘‘ و ’’المكتب الوطني للسينما‘‘ (ONF) و ’’مؤسسة أفلام الآخر‘‘ (Les Films de l’Autre) ومهرجان ’’اللقاءات الدولية للوثائقي في مونتريال‘‘ (RIDM).
هذه الجائزة التي حصل عليها خرّيج السينما في ’’جامعة كيبيك في مونتريال‘‘ (UQAM) عام 2022، هي بقيمة 75 ألف دولار، وتسمح للسينمائي الشاب بأخذ كل الدعم اللازم على مدى أحد عشر شهرا من المؤسسات المذكورة أعلاه من أجل كتابة وإخراج وانتاج واصدار فيلمه الوثائقي بعنوان ’’بلا حدود‘‘.
يعبر شادي بناني عن سعادته الكبيرة بهذه الجائزة التي تمنحه فرصة ذهبية في بداية مشواره، بكل هذه الإحاطة من الدعم والإشهار، ضامنا مشاركة فيلمه في النسخة المقبلة لمهرجان الفيلم الوثائقي المرموق في مونتريال.
إلقاء نظرة على مجتمع مونتريال الكوسموبوليتي
حتى الفيلم الوثائقي يحتاج بداية إلى كتابة ملخص (Synopsis) كما يحتاج المخرج إلى اختيار مدروس للشخصيات التي يجد فيها الميزات التي تتوافق مع الأهداف التي ينشدها والرسالة التي يريد إيصالها إلى المتلقي.
ويوضح شادي بناني البالغ 23 عاما، أن محاور فيلم ’’بلا حدود‘‘ تدور حول بناء الهوية الثقافية وكيفية تشكّلها عند المراهقين من أبناء الجيل الثاني للهجرة. ’’يستكشف الفيلم، عبر لقاءات مع شباب من مونتريال، مدى التعقيد الذي يواجهه هؤلاء من أجل تشكيل هويتهم […] يسلط الوثائقي الضوء على الجمال والغنى الذي يكمن في قبول أبناء الجيل الثاني من الهجرة في كيبيك تعريفا تعدديا شموليا غير مُجزأ لذواتهم.‘‘ كما كتب بناني في تعريفه لأهداف فيلمه، وهو الثاني في مسيرته.
هو نفسه مولود في الولايات المتحدة الأميركية من أب مغربي وأم كيبيكية، انتقل للاستقرار في كيبيك عندما كان في ربيعه الثاني عشر. وفي سن المراهقة عندما انتقل للعيش في المدينة الكوسموبوليتية منفصلا عن أهله، بدأ شادي يدرك عمق الاختلاف بينه وبين رفاقه ويعيش صراع الهوية. في هذه المرحلة كان يعاني ’’من الاضطراب والتشويش أكثر من أي شيء آخر، واختلطت الأمور لدي عن هويتي وانتمائي وصيرورتي ووجودي‘‘.
من أنا؟ إنني أنتمي إلى عدة أمكنة وفي الوقت ذاته لا يمثلني مكان بعينه […] كياني مشرذم منقسم، أحاول التماهي بمن حولي، أتقمص شخصيات عديدة في عملية سيكولوجية أحاول من خلالها الاندماج والانصهار.
أزمة الهوية تلك التي عاشها المتحدث في سن المراهقة لا تلبث أن تتلاشى عند بلوغه سن الرشد. إذ تبلورت شخصيته وتميزت بالاختلاف الذي تحمله، وما كان يشكل له بالأمس ارتباكا، أصبح اليوم مصدرا للجمال والغنى في إرث ثقافي استثنائي يحمله بفضل الهويات والحضارات المتعددة التي تسكنه. يعتبر السينمائي الشاب أن بنيان الهوية الكيبيكية الجديدة يجب أن يلحظ العمق في هذه التعددية الموجودة اليوم في هذا المجتمع. تلك العناصر التي كانت مجزأة حتى سن المراهقة لديه، توحدت في بوتقة من القيم والمفاهيم الشمولية الجامعة المنسجمة والمتناغمة والمتسامحة والمتصالحة مع محيطها ومجتمعها.
’’هذا بالضبط ما أريد أن أنقله على الشاشة الذهبية، وهو لا يعنيني وحدي فحسب، بل أيضا شقيقتي والعديد من رفاقي الذين ينتمون مثلي إلى جيل الهجرة الثاني،‘‘ يقول بناني.
هذا وسيترك المخرج الواعد المجال لعنصر المفاجأة والصدفة، بمعنى أنه لن يتقيد بنص مكتوب سلفا لفيلمه أو يقوم بإملاء رؤيته على الممثلين. ستلتقط عدسته كل الأصوات وتبرزها وسيكون هو مستمعا جيدا يحسن اختيار اللقطات التي تخدم رسالة فيلمه.
على الرغم من وسامته، فإن شادي بناني لا يرغب في أن يكون أمام الكاميرا، وعشقه للإخراج ينبع من توقه للعمل الجماعي حيث تكون هناك إضافات مبتكرة لمجموعة من الأشخاص يعملون معا من أجل فن سينماتوغرافي سبّاق ومتميز.
مونتريال هي قصة عشق
يقول شادي بناني إن مدينة مونتريال كانت تسكنه منذ الصغر من خلال ما تنقله ألسنة الأقرباء عنها واصفا علاقته بها ’’بالعشق الكبير‘‘. هي المدينة التي شهدت انتقاله من سن المراهقة إلى سن البلوغ والوعي، ويأمل في أن تنجح عدسته في نقل ’’أفضل نظرة عنها بكل أبعاد الفسيفساء الاثنية الموجودة فيها والتي تساهم في تطوير هويتها وتنوعها.‘‘
كنت أزور مونتريال في الصيف لذا فهي تعني لي ما تعنيه الإجازة من لذة ولقاء أحبة وبهجة وفرح […] وعندما انتقلت للعيش فيها شابا يافعا، فإن مونتريال أصبحت مرادفة للحرية والتغيير والنضوج.