القضاء على الإسلاموفوبيا بِفصل الإسلام عن الإسلاموية
’’اليسار المناهض للعنصرية الذي أنتمي إليه له تحليل سيّء للإسلاموفوبيا، لأنه لا يفهم الإسلاموية على الإطلاق’’.
هذا ما أكّده الدكتور رشاد أنطونيوس، الأستاذ المشارك في علم الاجتماع في جامعة كيبيك في مونتريال (UQAM) في بداية مقابلته مع راديو كندا الدولي.
وفي الوقت نفسه، أوضح أنه يختلف مع أولئك الذين يقولون إن كل شيء على ما يرام وأنه لا توجد كراهية للمسلمين.
ويقول إن فهم الإسلام السياسي سيسمح أوّلا لليسار بتحليل أكثر دقّة لماهية العنصرية ضد المسلمين.
وثانياً، سيسمح له بعدم إغضاب المسلمين أنفسهم الذين يعادون الإسلامويين. هؤلاء المسلمون لم يعودوا يتعاطفون مع اليسار لأنّ ’’اليسار أصبح يدافع عن الإسلامويين‘‘، حسب رأيهم.
وبالنسبة لرشاد أنطونيوس، اليسار ’’يدفع غير المسلمين [في كيبيك وغيرها] إلى أحضان اليمين.‘‘
عندما يرى الناس أن اليسار لا يتحدث عن العنف الذي يمارسه [الإسلامويون] باسم الإسلام بينما يتحدث عنه اليمين، يصبح هذا الأخير أكثر مصداقية.
وأدّت محاولة السيد أنطونيوس التمييز بين الإسلام والإسلاموية إلى ولادة كتاب كتبه مع علي بلعيدي، المحاضر في علم اجتماع العمل في المدرسة الوطنية العليا للمناجمنت (ENSM) في الجزائر.
والتقى المؤلِّفان عندما كان علي بلعيدي يعدّ رسالة الدكتوراه في علم الاجتماع في جامعة كيبيك في مونتريال.
’’الإسلام والإسلاموية في الغرب: عناصر للحوار’’ (Islam et islamisme en Occident : Éléments pour un dialogue) هو عنوان الكتاب الصادر هذا الأسبوع عن منشورات جامعة مونتريال (PUM).
عندما أتحدث إلى الأصدقاء وأحاول أن أتحدّث معهم عن الفرق بين الإسلام والإسلاموية ولماذا يجب أن ينتقد المرء الإسلاموية بسبب آثارها السلبية على العيش معاً، لا نجد الوقت الكافي لشرح ذلك بعمق، لذا فإن كتابة هذا الكتاب أصبحت ضرورية.
وخصّص المؤلّفان الجزء الأول من الكتاب للجانب التاريخي. ويمكن للقارئ أن يتعرّف على “نشأة فكرة الخلافة والأمّة وكيف تم ربط السياسة بالدين حيث يُدرك المُطالع أن ذلك غير موجود في القرآن.‘‘
وبالنسبة لهما، كل هذا ’’بُني بعد وفاة النبي محمّد، كنوع من تقديس السياسة‘‘ و”كثيرون من المسلمين يعتبرونه من السُنّة.‘‘
وبما أنه ليس مؤرخاً، أوضح رشاد أنطونيوس أنّه اعتمد على خبرة وسعة إطّلاع علي بلعيدي.
واستند الكاتبان على ما كتبه المؤرخون العرب والمسلمون، لا سيما التونسية هالة الوردي التي ألّفت كتاب ’’أيام محمد الأخيرة.‘‘، من بين مؤلّفات أُخرى.
وفي الجزء الثاني من الكتاب يشرح المؤلفان كيف تتجلى السلفية، هذا التفسير الحرفي للقرآن، في المجتمعات العربية الإسلامية اليوم.
وبالنسبة للأستاذ المشارك في جامعة كيبيك في مونتريال، ’’كان التفسير غير الأصولي للدين الإسلامي هو السائد مدة 12 قرناً من القرون الـ14 للدين الإسلامي.‘‘
وحتى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي في مصر، بلد منشأ رشاد أنطونيوس ، ’’إذا نظرنا إلى صور ذلك الوقت، لا زوجة المفتي ولا زوجة شيخ الأزهر ولا حتى ابنة مرشد الإخوان المسلمين كنّ يرتدين الحجاب.‘‘
وفي مصر أيضاً، ذات الغالبية المسلمة، كان هناك ودّ وتسامح، بحسب قوله، ضاعا، ’’لكنهما بدءا في الرجوع تدريجيّاً.‘‘
السلفية الحالية هي قطيعة مع هذا الودّ والتسامح [بين الأديان] في المجتمعات العربية الإسلامية. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل منها صدمة الحداثة التي وصلت مع الاستعمار.
وأوضح هذا الأخير أن صعود الحركات القومية الثورية في العالم العربي دفع بالمملكة العربية السعودية التي شعرت بالتهديد لنظامها القبلي، إلى نشر ودعم الأفكار السلفية بشكل مكثّف.
واستطاعت أن تقوم بذلك مع ارتفاع سعر النفط بعد أزمة 1973.
وخُصّص الجزء الثالث من الكتاب لقضايا الإسلاموية في مقاطعة كيبيك حيث يقيم رشاد أنطونيوس منذ خمسين عاماً.
بعيداً عن هذا التنازع بين الإسلام والإسلاموية، هناك أيديولوجية إسلاموية تبدو لي خطيرة على المجتمعات العربية الإسلامية وأرى بعض آثارها هنا [في كيبيك] وهذا يقلقني بشأن مستقبل العيش معاً.
ويعطي هذا الأخير مثالاً عن أصدقاء له من أصول مسلمة من مقاطعة كيبيك أخبروه أنّ ابنهم قال لأمّه بعد عودته من المدرسة: ’’أنت سافرة ، لأنك لا ترتدين الحجاب.‘‘
وأخبره آخرون أنّ طفلهم قال لهم إنّ ’’نظرية التطور خاطئة لأنها ليست في القرآن.‘‘
ولمواجهة هذه الظاهرة، يرى رشاد أنطونيوس أنّ ’’المعركة التي يجب خوضها لن تكون إلاّ ثقافية. وهي ليست غربية، بل داخل الإسلام.‘‘