(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)
الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أنّ لا اله الاالله وحدة لاشريك له ، وأشهد أنّ محمد رسول الله. ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا ﴾ سورة المائدة: 3. قال ابنُ كثير – رحمه الله: “هذه أكبرُ نِعَم الله – تعالى – على هذه الأمَّة ؛ حيث أكمل تعالى لهم دينَهم ، فلا يحتاجون إلى دينٍ غيره ، ولا إلى نبيٍّ غير نبيِّهم – صلَوات الله وسلامُه عليه – ولهذا جعله الله تعالى خاتمَ الأنبياء ، وبعَثَه إلى الإنسِ والجنِّ ، فلا حلالَ إلاَّ ما أحلَّه ، ولا حرام إلاَّ ما حرَّمه ، ولا دين إلاَّ ما شرعَه ، وكلّ شيء أخبرَ به فهو حقّ وصدق . فإنَّه الدّين الَّذي أحبَّه الله ورضِيَه ، وبعث به أفضل الرُّسُل الكرام ، وأنزل به أشرفَ كتُبِه. والدين : ما كلف الله به الأمة من مجموع العقائد ، والأعمال ، والشرائع ، والنظم . وقد تقدم بيان ذلك عند قوله تعالى:” إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلامُ ” سورة آل عمران :19 . ابتدأت أحوال جماعة المسلمين بسيطة ثم اتسعت جامعتهم ، فكان الدين يكفيهم لبيان الحاجات في أحوالهم بمقدار اتساعها ، إذ كان تعليم الدين بطريق التدريج ليتمكن رسوخه ، حتى استكملت جامعة المسلمين كل شئون الجوامع الكبرى ، وصاروا أمة كأكمل ما تكون أمة وبيان الدين ما به الوفاء بحاجاتهم كلها ، فذلك معنى إكمال الدين لهم يومئذ. فلما هاجر رسول الله أخذ الدين يظهر في مظهر شريعة مستوفاة فيها بيان عبادة الأمة ، وآدابها ، وقوانين تعاملها ، ثم لما فتح الله مكة وجاءت الوفود مسلمين ، وغلب الإسلام على بلاد العرب ، تمكن الدين وخدمته القوة ، ومنع المشركين من الحج بعد عام ، فحج رسول الله (ص) عام عشرة وليس معه غير المسلمين ، فكان ذلك أجلى مظاهر كمال الدين . أنَّ الدين قد كمُل فلا يحتاج إلى زيادة أبدًا، فما يفعله أهل الضَّلالة من البدَع إنَّما هو ابتِداع في دين الله. أنَّ الله أتمَّ على المؤمنين نِعَمَه الظَّاهرة والباطنة ، ومن أعظم هذه النِّعَم بعْث النَّبي – صلَّى الله عليْه وسلَّم.أنَّ الله – تعالى – رضِي للمؤمنين هذا الدين العظيم ؛ دين الإسلام ، بل إنَّ الله لا يقبل من النَّاس غيره ،﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الاِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ آل عمران: 85 . وجب على المؤمنين أن يَرْضَوا بهذا الدّين الَّذي رضِيَه الله لهم ، روى مسلم في صحيحه أنَّ النَّبيَّ – صلَّى الله عليْه وسلَّم – قال: ((مَن قال حين يسمع المؤذِّن: أشهد أن لا إله إلاَّ الله وحْده لا شريكَ له، وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، رضِيتُ باللَّه ربًّا، وبمحمَّد رسولاً، وبالإسلام دينًا، غُفِر له ذنبُه))،أنَّ أحكام هذا الدّين وشرائعَه قد كملتْ ، فلا تتغيَّر ولا تتبدَّل إلى يوم القيامة ، فعلى سبيل المثال ذكَرَ الله في كتابه اليهودَ والنَّصارى وغيرهم من الكفَّار، ونهانا عن موالاتهم قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُم أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ المائده: 51 . وقد قال أصحاب الآثار: إنه لما نزلت هذه الآية على النبي (ص) ، لم يعمر بعد نزولها إلا إحدى وثمانين يوماً ، أو اثنين وثمانين يوماً ، ولم يحصل في الشريعة بعدها زيادة ، ولا نسخ ، ولا تبديل البتة ، وكان ذلك جارياً مجرى إخبار النبي (ص) عن قرب وفاته ، وذلك إخبار عن الغيب فيكون معجزاً. ومما يؤكد ذلك ما روي أنه صلى الله عليه وسلم لما قرأ هذه الآية على الصحابة فرحوا جداً ، وأظهروا السرور العظيم ، إلا أبا بكر رضي الله عنه ، فإنه بكى ، فسئل عن ذلك ، فقال: هذه الآية تدل على قرب وفاة رسول الله (ص) ، فإنه ليس بعد (الكمال) إلا الزوال ، فكان ذلك دليلاً على كمال علم الصديق ، حيث وقف من هذه الآية على ما لم يقف عليه غيره… يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ، اللهم توفنا مسلمين ، وأحينا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، اللهم لك أسلمنا وعليك توكلنا وإليك أنبنا ، فاغفر لنا ما قدمنا ، وما أخرنا ، وما أسررنا ، وما أعلنا ، وما أنت أعلم به منا . اللهم اجعل قلوبنا تخشع من تقواقك واجعل عيوننا تدمع من خشياك واجعلنا يارب من أهل التقوى وأهل المغفرة ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ- آمين – وإلى اللقاء .
إعداد أُم تامر المصرى