ع الماشي

“أرادوه بطلا”.. خبراء نفس يفسرون سبب تمجيد تصرفات المسلح في بنك لبنان

حسين طليس

المسلح لقي تضامنا واسعا خارج المصرف

عاش لبنان أمس الخميس، ظاهرة أمنية – اجتماعية فريدة من نوعها، تمثلت في لجوء أحد المواطنين إلى خيار العنف المسلح ضد أحد المصارف، بدافع استرداد أمواله المحتجزة، وليس سطواً أو سرقة كما درجت العادة في أحداث مماثلة، إلا أن الأمور لم تقتصر عند هذا الحد، فكان المفاجئ أيضاً، ردة فعل المجتمع اللبناني على تلك الواقعة، التي جاءت مخالفة للمعتاد والمتوقع في أحداث عنف مشابهة.

وكان المدعو بسام الشيخ حسين، وهو مودع لبناني في مصرف “فيديرال بنك”، قد اقتحم فرعاً للمصرف في شارع الحمرا وسط العاصمة اللبنانية بيروت، شاهراً سلاحه بوجه الموظفين محتجزاً إياهم كرهائن، واستقدم معه مواد حارقة مهدداً بحرق نفسه ومعه المصرف في حال لم يتم الاستجابة لمطالبه.

ما جرى مع بسام الشيخ حسين يتردد صداه في كل بيت لبناني

تصرف هذا المواطن اللبناني جاء انطلاقاً من حاجته الماسة للأموال اللازمة لعلاج والده المريض، حيث اضطرت عائلته لاستدانة الأموال من أجل دفع جزء من التكاليف العلاجية، فيما يمتلك بسام وشقيقه مبلغاً يناهز الربع مليون دولار محتجزة في المصرف منذ عام 2019، في سياق الإجراءات المصرفية القاسية المتخذة منذ اندلاع الأزمة المالية في البلاد.

وتحتجز المصارف اللبنانية أموال المودعين لديها من لبنانيين وأجانب، وتفرض قيوداً مشددة على السحوبات النقدية لاسيما بالدولار، وذلك دون وجود أي نص قانوني يسمح لها بذلك، إلا أن المصارف نفذت هذه الإجراءات دون رادع من ناحية السلطة السياسية والقضائية في البلاد، تحت ضغط الأزمة المالية وإقبال الناس الكثيف على سحب ودائعها بعد فقدان الثقة بالقطاع المصرفي والعملة المحلية.

تعاطف جماعي

كان من المفترض في الأوضاع الطبيعية، أن يتسبب هكذا حدث بخوف لدى اللبنانيين من المشهد العنيف لاقتحام مصرف بالسلاح واحتجاز رهائن، وأن يسبب الأمر نفوراً لدى الناس من الشخص المرتكب، وفق ما تقول الدكتورة في علم الاجتماع، سلمى الحسيني، “ولكن على العكس الجميع كان فرحا بما يجري، يتضامن مع بسام ويشد على يده”.

حجم التعاطف الشعبي الذي حظي فيه مقتحم المصرف، كان عاملاً مفاجئاً، حيث تصدر اسمه قائمة الكلمات الأكثر تداولا على موقع تويتر في لبنان، وضجت وسائل التواصل الاجتماعي بمنشورات التشجيع والتضامن مع بسام، كذلك تابع الناس مجريات الأحداث من منازلهم وفي الشوارع والمقاهي، كما شهد محيط المصرف توافد محتجين ومواطنين لدعم بسام والتنديد بإجراءات المصارف التعسفية تجاه المودعين.

تضيف الحسيني في حديثها لموقع “الحرة” أن هذا الحدث لو كان قد جرى قبل أزمة المصارف، “لكان وصف الناس بسام بالأزعر وطلبوا محاسبته، لكنهم اليوم يصفونه بالآدمي والبطل وكانوا يتمنون له النجاح بما يفعله”، لافتة إلى أن ما جرى بالأمس “كان انعكاساً لحجم الضغط الذي ولّد هذا الغضب نتيجة معاناتهم المشتركة كشعب مع هذه الجهة، خاصة أن المصارف ليست بريئة، ولم تراع أوضاع الناس، كذلك فعلت الدولة ولم تنتصر لحقوق الشعب اللبناني في وجه احتجاز المصارف لأموالهم”.

وما يعزز هذا الشعور الجماعي، وفق الحسيني، هو أن كل فرد في المجتمع اللبناني قد تضرر بطريقة أو بأخرى من سلوك المصارف وإجراءاتها، التي انعكست سلباً على عموم الواقع المعيشي للبنانيين، وليس فقط على أصحاب الودائع.

هذا النوع من التضامن، الذي يبرر ويتعاطف مع فعل عنيف كالذي قام به بسام، مصدره وفق الحسيني “المعاناة التي يعيشها هذا المجتمع، وأعتقد أن هذه الظاهرة لم يشهدها أي مكان في العالم لذا قد لا تكون مرصودة بحد ذاتها في علم الاجتماع، فما شهدناه يدل على أن كل شخص في داخله شعور يدفعه ليتمنى أن يكون مكان بسام، ولو كان من الممكن لكل لبناني أن يفعل ما فعله بسام لما تراجع عن التنفيذ، هنا أتحدث عن شعور عام كان ملموساً لدى الجميع بالأمس”.

“لم يكن إجراماً”

من ناحيتها، تلفت الدكتورة المتخصصة في علم النفس الاجتماعي، ماجدة حاتم، إلى أن ما جرى بالأمس “لا يندرج في سياق الخطف مقابل فدية، ولا سرقة ولا عملية سطو مسلح، وبالتالي لم يكن سلوكاً منفراً ولا بدافع اجرامي، بل كان يحركه دافع آخر، هذا الشخص سرقت أمواله، المصارف حرة بتسمياتها لما جرى، ولكن في النتيجة الكل متفق على ان هذا الرجل كما هو حال معظم الشعب اللبناني، سرقت أمواله، ولم يدفع له ولو جزء بسيط منها في أوج حاجته إليها، بل نُهر وقيل له ليس لك أموال هنا.”

وتضيف لموقع “الحرة” “وبالتالي كان بسام بالأمس في موقع المجني عليه منذ البداية، والمصارف هي الجانية”، مشيرة إلى أن حاله كحال جميع اللبنانيين، الذين جربوا كافة الطرق والأساليب لاسترداد أموالهم وفشلوا، فيما هم يعانون من ضيقة صحية واجتماعية ومالية، “في هذه الحالة هناك عتبة معينة وحدود للتحمل إن كان على الصعيد الفردي للشخص أو على الصعيد الجماعي للمجتمع، مهما بلغت حصانة الطرف المقابل”.

وأكدت حاتم أنه في هذه الحالة تنعدم، العقلانية إطلاقاً، ويصعب التحكم بالانفعالات والسلوك الذي قد ينتهجه الطرف المتضرر، “وهذا ما جرى بالأمس، حيث لم يكن في حسبان بسام إذا ما كان تصرفه سيخيف الزبائن او الموظفين أو الناس، لم يعد يفكر حتى بما يعرض نفسه له من عواقب سلوكه كالسجن أو المقاضاة، بل تخلى عن المنطق كلياً.”

وفي هذا السياق، ترى الحسيني من ناحيتها أن “أكثر إنسان يمكن فهم سلوكه الاجتماعي في الحالة التي يعيشها اللبنانيون اليوم، هو من يقوم بما قام به بسام، الأمر مفهوم جداً، حيث وصل إلى انعدام سبل أمامه، وبما أن المصرف متاح للعموم فيما الناس غير قادرة على الوصول إلى المسؤولين، نشهد هذه الصدامات بين الناس والمصارف ولاسيما مع الموظفين فيها، خاصة أن إدارات المصارف تتهرب من المسؤوليات ووصلت إلى مرحلة لم تعد تحترم معاناة الناس ولا تتصرف معهم انطلاقا من أنهم أصحاب حقوق، وهذا من الطبيعي أن يولد ردة فعل”.

“الناس أرادوه بطلاً”

وكان بسام قد سلم نفسه للقوى الأمنية بعد نحو ٧ ساعات على احتجازه للرهائن، مقابل إفراج المصرف عن 35 ألف دولار أميركي من وديعة بسام البالغة 210 آلاف، إلا أن المدعي العام التمييزي قرر توقيف بسام واحتجازه بعد تسليم نفسه بعكس الوعود التي كان قد تلقاها بسام خلال المفاوضات.

هذا الإجراء القضائي عاد وانعكس غضباً في الشارع اللبناني، الجمعة، حيث أقدم أقارب وجيران بسام على قطع الطريق بالإطارات المشتعلة في منطقة الأوزاعي، وقاموا بوقفة احتجاجية مطالبين بالإفراج فوراً عن بسام.

في هذا السياق ترى حاتم أن بسام نفسه لم يكن يتوقع هذا التضامن او يقصد إثارة هذه الحالة بما قام به، “لكن الناس هي من تلقفته واحتضنت قضيته فتضامنت معه وجعلت منه بطلاً.”

وتضيف “كان من الممكن أن يؤدي سلوك بسام لإخافة المحيط إذا ما نظرنا للأمر من منظور ‘ميكرو’ (مصغر)، ولكن من المنظور الواسع الذي يجب أن ننطلق منه في تحليل السلوك العام، فإذا كانت النخبة التي تدير شؤون الأكثرية في المجتمع ظالمة في أدائها، لا يمكن لوم الأكثرية المتضررة على صراخها وردة فعلها، من هنا يمكن تفسير ما جرى ويجري اليوم”.

وتلفت إلى أن تضامن الناس، في هذه الحالة، كان أمراً طبيعياً، “فهؤلاء يشبهونه، من كانوا على وسائل التواصل الاجتماعي أو في منازلهم، حتى أن بعضهم ترك منزله ونزل إلى الشارع ليعبر عن تضامنه معه من أقرب نقطة ممكنة، هذا يعكس مدى اتفاقهم مع بسام فيما يفعله لأنه يمثلهم ويعبر عنهم”.

تحذيرات من تعميم الأسلوب

تشرح حاتم أنه وفي ظل الأزمة الحالية، لم يعد يثق اللبناني إلا بالمال، فأبسط حاجاته ما عاد يمكن تأمينها إلا مقابل المال، “من هنا فهم الناس حاجة بسام إلى المال في هذا الوضع، واضطراره لفعل ما فعله، وخاصة أن حاجة بسام كانت تأمين الطبابة لوالده وهو ما يفهمه اللبنانيون حالياً تماماً في ظل التكاليف الخيالية لعلاج والطبابة، كما لو كانت الحاجة مدارس أولاده أو فاتورة الكهرباء والماء والانترنت”/

وتحذر الخبيرة في علم النفس الاجتماعي من أن “استمرار النخبة في تجاهل حاجات الناس في المجتمع، دون أن تقدم لهم حلولاً، ستضطر الناس للجوء إلى هذه الأساليب، وهذا هو الأمر الطبيعي في سبيل تأمين الإنسان أو المجتمع لحاجاته. بسام كان بالأمس ممسكاً بقضية تعبر عن الناس، وهذا الأسلوب قد ينتشر أكثر، وهذا تحليل علمي وليس عاطفياً أو سياسياً، ولكننا نسقطه على المجريات التي تحصل في لبنان”.

من جهتها تلفت الحسيني النظر إلى وضع الرهائن أيضاً، الذين “لم يكونوا مستائين من بسام، بحسب ما ظهر من تصريحاتهم بعد إطلاق سراحهم، بل كانوا مقدرين لوضعه وما يمر به من ظروف، الرهائن والناس في الخارج والمجتمع ككل كان متعاطفاً، حتى المغتربين اللبنانيين والمودعين الأجانب عبروا عن مناصرتهم له، وإذا ما لاحظنا ردة فعل القوى الأمنية التي تحاصر المصرف، لم تكن كمن يتعامل مع تهديد، بل كانوا فقط يحرصون على ضرب الطوق الأمني ومنع اقتراب الناس من مكان الحدث”.

وتختم بالقول إن “الحالة التي شهدها لبنان، يجب أن تُدْرس وتُدَرّس، لأن العالم لم يشهد تفاعلاً اجتماعياً مع أزمة كالأزمة اللبنانية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى