إعجاز القرآن الكريم
الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرورأنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أنّ لا اله الاالله وحدة لاشريك له ، وأشهد أنّ محمد رسول الله. أنّ المعجزة مأخوذة من العجز، وهو في اللغة : التأخر عن الشيء وحصوله عند عجز الأمر ، وصارت اسماً للقصورعن فعل الشيء ، وهو ضدّ الحزم والقدرة. وقد وضع العلماء لها شروطاً ، ومنها : أن تكون أمراً خارقاً للعادة مقروناً بالتحدّي وسالماً عن المعارضة. فالمعجزات الحسيّة هي كلّ ما أوتيه الأنبياء من آيات قبل نزول القرآن مثل ناقة صالح ، وعصا موسى ، وإحياء الموتى بإذن الله على يدي عيسى عليهم الصلاة والسلام . وسُميّت هذه المعجزات بالحسّية لأنها انقرضت بانقراض الأجيال المعاصرة لهؤلاء الأنبياء ، فلم يشاهدها بالأبصار إلا مَن حضرها. وأمّا المعجزة العقلية فهي متمثّلة بالقرآن الكريم لأنّها مستمرّة إلى قيام الساعة ، فلا يمرّ عصر من العصور إلا ويظهر فيه شيء يدلّ على صحّة دعواه ، فيبقى معجزة مشاهَدة بعين العقل لكلّ عصر ولكلّ جيل ..إن الفرق بين المعجزة والرسالة ، أن الله بعث الرسل لهداية أجيال محدّدة ، في أزمان محدّدة ، وفي أماكن محدّدة ، وأيّدهم برسالات لتكون هي منهج الحياة والتشريع ، ثمّ أيّدهم في الوقت نفسه بالمعجزات لتكون دليلاً على صدق دعوتهم . فمعجزات موسى وعيسى عليهما السلام شيء ، ومنهجهما المتمثل بالتوراة والإنجيل شيء آخر. أمّا خاتم الأنبياء والرسل نبيّنا محمد (ص) ، فقد بعثه الله تعالى هدًى ورحمة للعالمين مؤيَّداً بالقرآن العظيم ليكون المنهج القويم والتشريع الخالد لأمم العالم أجمعين ، وليكون في الوقت نفسه المعجزة الخالدة إلى يوم الدين ، فهو إذن معجزة ومنهج في آن واحد. فالقرآن الكريم معجزة تخاطب كلّ عصر بما برع فيه أصحابه ، ولذلك يبقى عطاؤه دائماً لا ينقطع ، ليجد فيه كلّ جيل حاجته ومحجّته . يقول الله تعالى :” قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ) [الكهف: 109) . حقّاً ! فلو كانت بحار الدنيا حبراً ومداداً ، وكتبت به كلمات الله وحِكَمه وعجائب قدرته ، لفني ماء البحر على كثرته وانتهى ، وكلام الله لا ينفد ، لأنّه غير متناهٍ. القرآن معجز من حيث تركيبه ومعانيه معاً، ولذلك يفعل في النفوس من التأثير ما لا يفعله غيره. قال الخطابي في إعجاز القرآن :” أنه صنيعه في القلوب وتأثيره في النفوس ، فإنك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوماً ولا منثوراً إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال ومن الروعة والمهابة في حال آخر ، قال الله تعالى”: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ “(الحشر:21) وقال تعالى: “اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ”(الزمر:23). الله سبحانه وتعالى نـَزّلَ على رسوله القرآن الكريم ليكون دلالة على صدقه ” أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا “(النساء: 82). أن الإعجاز الغيبى للقرآن يتبين منذ نشأة الكون ، وما وقع منذ خلق آدم عليه السلام إلى مبعث رسول الله (ص) ، وكذا ما تضمنه من الأخبارعن الكائنات في مستقبل الزمان. إن مرور القرون المتطاولة والعصور المختلفة مع بقاء القرآن الكريم بعيداً عن التحريف والتبديل للذين لا يكاد يسلم منها كتاب ، لآية عظمى على كونه منزلاً من عند الله عز وجل ، ودلالة صدق على حفظ الله له من التغيير والتبديل تصديقاً لقوله تعالى: ” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” سورة الحجر:آية 9. يقول الزرقاني رحمه الله: “لقد اشتمل القرآن على آلاف من المعجزات ، لا معجزة واحدة فحسب . فلم يذهب بذهاب الأيام ، ولم يمت بموت الرسول (ص) ، بل هو قائم في فم الدنيا يجابه كلّ مكذب ، ويتحدّى كلّ منكر، ويدعوأمم العالم جمعاء إلى ما فيه من هداية وتشريعات ونظم تكفل السعادة لبني الإنسان. ولذلك نجد أنّ دائرة الإعجاز القرآنية تتجلّى عبر الأزمان بأوجه مختلفة ومتعدّدة ، بحيث لم يجد العلماء موضوعاً من مواضيع المعرفة الإنسانية إلا وكان القرآن عليه دليلا”. ونحن مع مطلع فجر كل يوم نسمع ونرى العديد من الحقائق ، التي يثبتها العلم ، الأمر الذي يؤكد مصداقية هذا القرآن وصدق ما جاء به وأنه :”لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حميد” سورة فصلت:42. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا ، اللهم اجعله حجة لنا ولا تجعله حجة علينا ، اللهم اجعلنا ممن يقرؤه فيرقى ولا تجعلنا ممن يقرؤه فيزل ويشقى، اللهم ارزقنا بكل حرف من القرآن حلاوة وبكل كلمة كرامة وبكل أية سعادة وبكل سورة سلامة وبكل جزء جزاءا ، اللهم ارزقنا القناعة وحبب في قلوبنا صلاة الجماعة . اللهم أدخلنا الفردوس الأعلى بغير حساب ولا سابقة عذاب. وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ . اللهم آمين – وإلى اللقاء
إعداد أم تامر المصرى