وماذا بعد رمضان؟
الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أنّ لاالة الاالله وحدة لاشريك له ، وأشهد أنّ محمد رسول الله. فسلام الله على شهر الصيام والقيام ، لقد مر كلمحة برق ، أو غمضة عين ، كان مضماراً يتنافس فيه المتنافسون ، وميداناً يتسابق فيه المتسابقون ، فكم من أيدىٍّ ضارعةٍ رُفعت! ودموعٍ ساخنةٍ ذُرِفت! وحُق لها ذلك في موسم المتاجرة مع الله ، موسمِ الرحمة والمغفرة والعتق من النار. وماذا بعد شهر رمضان؟ ماذا عن آثار الصيام التي صنعها في نفوس الصائمين؟ لننظر في حالنا، ولنتأمل في واقع أنفسنا ومجتمعاتنا وأمتنا ، ولنقارن بين حالنا قبل حلول شهر رمضان وحالنا بعده : هل ملأت التقوى قلوبنا؟ هل صلحُت أعمالنا؟ هل تحسنت أخلاقنا؟ هل استقام سلوكنا؟ هل اجتمعت كلمتنا وتوحدت صفوفنا ضد أعدائنا ، وزالت الضغائن والأحقاد من نفوسنا؟ هل تلاشت المنكرات والمحرمات من أسرنا ومجتمعاتنا؟ – فى رمضان عرفنا حلاوة الإيمان وعرفنا حقيقه الصيام ، وذقنا لذّه الدمعه ، وحلاوة المناجاة في الأسحار، وكنا ننفق نفقه من لا يخشى الفقر، وكنا .. وكنا .. مما كنا نفعله في هذا الشهر المبارك الذي رحل عنا. رحل رمضان ولم يمضى على رحيله إلا القليل. ربما عاد تارك الصلاة لتركه ، وآكل الربا لأكله ، ومشاهد الفحش لفحشه ، وشارب الدخان لشربه. فنحن لا نقول أن نكون كما كنا في رمضان من الاجتهاد. أسئلة كثيرة .. وخواطر عديدة .. تتداعى على قلب كل مُسلم صادق .. يسأل نفسه ويجيبها بصدق وصراحة .. ماذا استفدت من رمضان ؟ أنه مدرسة إيمانية … إنه محطة روحيه للتزود منه لبقية العام . إن رمضان بحق مدرسة للتغيير .. نُغير فيه من أعمالنا وسلوكنا وعاداتنا وأخلاقنا ، قال تعالى فى سورة الرعد آية 11 :” إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”. … كانت تمتلئ المساجد في رمضان من كل عام في صلاة التراويح إلا عامنا هذا ، وذلك بسبب الوباء الذي تفشى في أنحاء العالم ، دعنا نتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم : “ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل يوم: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء، في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات فلا يضره شيء” ، يجب أن يكون العبد مستمر على طاعة الله ، ثابت على شرعه ، مستقيم على دينه ، بل يعلم أن ربّ رمضان هو ربّ بقية الشهور والأيام. قال تعالى في سورة هود : ” فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَك” آية 112 . وقال: {… فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ…} فصلت 6. والآن بعد انتهاء صيام رمضان … فهناك صيام النوافل ، مثل ستة أيام من شوال ، قال رسول الله(ص) :”مَن صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر” رواه مسلم ، وكذلك صيام الاثنين والخميس وعاشوراء وعرفة. وبعد انتهاء قيام رمضان ، فقيام الليل مشروع في كل ليله وهو سنة مؤكدة بقوله رسول الله (ص): ” عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ، ومقربة إلى ربكم ، ومكفرة للسيئات ، ومنهاة عن الإثم مطردة للداء عن الجسد ” رواه الترمذي وأحمد . والآن بعد أن انتهت زكاة الفطر وقراءة القرآن وتدبره ليست خاصة برمضان بل هي في كل وقت. فالأعمال الصالحة في كل وقت وكل زمان. فلقد كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان ، ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم. نسأل الله أن نكون من هؤلاء الفائزين. سألت عائشة رضي الله عنها الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله سبحانه: [المؤمنون:60]” وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ” أهم الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر؟ قال: لا يا ابنة الصديق ؛ ولكنهم الذين يصلُّون ويصومون ويتصدقون ويخافون أن لا يُتَقَبَّل منهم. ان من شُكر الله عزَّ وجلَّ على نعمة توفيقه للصيام والقيام ؛ أن يستمر المسلم على طاعة الله عزَّ وجلَّ في حياته كلها ، فالإله الذي يُصام له ويُعبد في رمضان ، هو الإله في جميع الأزمان ، إن بعض المسلمون بعد شهر الصيام يهجرون المساجد وترك الجماعات ، والتساهل في الصلوات ، واعتزال الطاعات؛ من قراءة القرآن والذكر والدعاء والبذل والإحسان والصدقة، والإقبال على أنواع المعاصي والمنكرات. نسأل الله عزَّ وجلَّ بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يهدينا جمعياً صراطه المستقيم ، وأن يثبتنا على الدين القويم، كما نسأله جل وعلا أن يرزقنا الاستمرار على الأعمال الصالحة بعد رمضان ، وأن يَمُنَّ علينا بالقبول والتوفيق. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا اغفرلنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم..ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالِدِينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين. وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ . اللهم آمين – وإلى اللقاء. إعداد أم تامر المصرى